الطوائف
غير الكاثوليكية في لبنان الروم الاورثذكس والانجيليون
وقليل من السريان اليعاقبة والارمن الغريغوريين.
1 الروم - سبق ذكر اصلهم ومعتقدهم. وهذه خلاصة احوالهم
حاضرا ً. للروم بطريرك يلقب ببطريرك انطاكية وسائر المشرق.
وكانت انطاكية كرسيهم اقاموا فيها الى القرن الخامس عشر ثم
انتقلوا الى دمشق. وكانت بطريركيتهم غاية في الاتساع يبلغ
عدد المطروبوليين فيها 150. واليوم ليس تحت حكمهم سوى 12
مطربوليتا ً وكلهم وطنيون. ولغة الروم الطقسية في سورية
ولبنان هي العربية غالبا ً واليونانية قليلا ً. عدد الروم
الاورثذكس في سورية نحو 300000 منهم في لبنان اكثر من
60000 يرجعون في امور الدين الى خمسة مطارنة مطران جبيل
والبترون ثم مطران طرابلس ثم مطران بيروت ثم مطران زحلة ثم
مطران صور وصيداء. وللروم 11 ديرا ً كلها في لبنان لا يبلغ
عدد الرهبان الساكنين فيها الثلاثين وقد أنشئت مدارس في
بعضها كدير البلمند ودير كفتين. اما الراهبات فليس لهن دير
في لبنان بل خارجا ً عنه في صيدنايا ومعلولا. وقد أنشئت في
بيروت جمعية رهبانية قبل 20 سنة لتعليم البنات بهمة
مؤسستها ورئيستها الاخت مريم جهشان وانشئت ايضا ً جمعية
رهبانية للعبادة باسم السيدة أسستها الاخت كاترين كركبه
وقد ناهزت راهباتها الثلاثين عداً. وقد أنشأت بعض راهباتهم
مدرسة تهذيب الفتاة الشرقية. وللروم مستشفى في بيروت كان
سابقا ً على طريق النهر ثم نقل منذ عشر سنين الى محلة
الغابة شمالي الاشرفية تقوم بخدمته نساء من الطائفة
وبجواره مأوى للعجز.
2 السريان اليعاقبة - كانوا سابقا ً في لبنان وسواحله
عددا ً غفيرا ً كما تشهد عليه الآثار التاريخية لكتبة
السريان. وقد وجدهم الشريف الادريسي في القرن الثالث عشر
في جونية قال في كتابه الموسوم بنزهة المشتاق: "ان جونية
حصن على البحر واهله نصارى يعاقبة". وكان لهم في طرابلس
على عهد الصليبيين مدرسة شهيرة. وقد أطلق عليهم اسم يعاقبة
او يعقوبيين نسبة ً الى يعقوب البرادعي الذي جد وكد في نشر
هذه الشيعة في القرن السادس للمسيح بعد ان كبت نارها وكادت
تتلاشى.
لليعاقبة اليوم بطريرك يسكن في الغالب في دير الزغفران
قريبا ً من ماردين وهو يلقب ببطريرك انطاكية يحكم على عشرة
مطارنة او اساقفة. واكثر اليعاقبة في طور عابدين شمالي
شرقي ماردين ومنهم في جهات الموصل وديار بكر يبلغ عدهم نحو
100000 وفي الهند نحو 200000. اما سورية ففيها منهم فل
قليل في زحلة. ومنهم بضعة آلاف في حمص والقرى المجاورة لها
والواقعة بين القريتين ودير عطية. وقد ذكرنا مخالفتهم
للكاثوليك بقولهم ان للمسيح طبيعة ً واحدة ومشيئة واحدة.
ويقيمون رتبهم الدينية بالسريانية.
3 الارمن الغريغوريون - ليس منهم في لبنان غير افراد.
ولهم في بيروت كنيسة السراية الجديدة والثكنة السابقة.
يبلغ عددهم بضع مئات. وهم على دين اليعاقبة يوافقونهم في
القول بالطبيعة والمشيئة الوحيدتين في المسيح. ولغتهم
الطقسية الارمنية القديمة وتسميتهم بالغريغوريين انتسابا ً
الى رسول الارمن القديس غريغوريوس المنور الذي ازهر في
اواخر القرن الثالث واوائل الرابع للمسيح.
وللارمن الغريغوريين ثلاثة بطاركة يترأس عليهم بطريرك
اتشميازين الذي يسوس كنائس كل ارمينية الكبرى والولايات
المجاورة لها. وهو يسكن دير اتشميازين ويثبته ملك العجم.
ثم بعده بطريرك سيس في قيليقية ويدعونه كاتوغيكس اي
جاثليقا ً يدير كنائس قبادوكية وقيليقية وقبرص وسورية.
والثالث بطريرك اغطمار وهو اصغرهم. ولهم في الاستانة
والقدس بطريركان شرقيان ويبلغ عدد كراسيهم الاسقفية نحو
الستين اما عدد الارمن الغريغوريين فنحو ثلاثة ملايين.
4 الانجيليون - هم البروتستانت يجمعهم هذا الاسم على
اختلاف فرقهم ودولهم. كان اول من دخل منهم في القطر الشامي
مرسلين اميركيين القس اسحق برد والقس وليم غودل سنة 1823
على انهما اضطرا الى الابتعاد مدة ثم عادوا سنة 1830 ونما
عددهم وفي السنة 1834 نقلت مطبعتهم المنشأة في مالطة الى
بيروت. ثم انشأوا لهم مركزا ً في اعبيه في لبنان سنة 1846
ثم في سوق الغرب (1858). وفي السنة 1860 انشأت السيدة بوون
تومسون في بيروت مدرستها الاولى الانكليزية وفي 1862 نقلت
مدرسة سوق الغرب الى صيداء وأقيمت في سوق الغرب بدلا ً
منها مدرسة للجماعة الاسكتلندية وفي سنة 1866 أنشئت الكلية
الاميركانية في بيروت وفي السنة 1873 فتح الاميركان مدرسة
طرابلس. وفي 1877 اربع مراكز جديدة في بيروت ودمشق وطرابلس
وحلب لجمعية تهذيبية. وفيها انشأت جمعية الاصدقاء مستشفى
ومدارس برمانا. وفي 1900 أنشىء مستشفى العصفورية في جوار
بيروت. وفي 1901 فتح ميتم صيداء المعروف بدار السلام. وفي
1902 فتح مستشفى ومستوصف جونيه. وفي 1908 فتح في الشبانية
قرب حمانا دار الصحة لمعالجة المسلولين. وفي سنة 1900
أنشأوا في بيروت غرفا ً للقراءة وقد أنشأوا ايضا ً غرفة
للقراءة في زحلة والشويفات والحدث. وعدد المرسلين
البروتستانت حالا ً في القطر الشامي ولبنان نحو المئة بين
رجال ونساء اكثرهم تحت تدبير جماعة الرسالات المنشأة في
نيويورك. اما عدد التابعين للمذهب البروتستاني في سورية
ولبنان وفلسطين فانه يبلغ 8000 او 10000 نفس.
ديانتهم - من المعلوم ان الانجيليين يختلفون
اختلافا ً عظيما ً في مذاهبهم ليس فقط عن الكنيسة
الكاثوليكية والفرق النصرانية القديمة بل فيما بينهم ايضا
ً. وفي سورية ولبنان منهم نحو عشر فرق اخصها اليرسبيتيريان
والكونكركاشن والانكليكان واللوثرانيون والاسكتلنديون
والمعمدانيون يعمهم اسم البروتستانت اي المحتجين على
تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. وهم لا يقبلون غير التوراة
بعهديها القديم والحديث دون الكتب المعروفة بالثانوية ولا
يخضعون لسلطان الكنيسة الكاثوليكية في تأويلها للاسفار
المقدسة بل يقولون بحرية التأويل كما يبدو لهم. اما
المعتقدات والاسرار فلكل فرقة منهم مذاهب شتى فمنهم من
يعتقد قليلا ً منها ومنهم من يقبل كثيرا ً على حسب نحلته
وكذا يقال عن خدمة الاسرار فبعضهم يقبل الاسقفية وبعضهم
الكهنوت وغيرهم ينفيهما ويكتفي بمبشرين او مبشرات يتولون
اجتماعاتهم الدينية دون رتبة خاصة. وكلهم يقترنون بالزواج
ولا رهبانية بينهم الا ما ندر عند الانكليكان.
الدياكونيس - هو اسم السيدات البروسيانيات اللواتي
يخدمن المرضى ويعلمن البنات عند البروتستانت. انشأهن احد
خدمة الدين اسمه ثاودور فليدنر في مدينة قيصرورث من اعمال
بروسيا سنة 1836 وهن يلتزمن اعمال الجمعية دون ان يرتبطن
بنذور بل بمواعيد موقتة ثم يخرجن متى شئن ويدخلن العالم.
كان لهن قبل عشر سنوات نحو 100 مستشفى او مكتب. وكان عددهن
نحو 9000 ما عدا الطالبات البالغ عددهن 5524 قدمن بلاد
الشام سنة 1860 وفتحن في بيروت المستشفى البروسياني
ومكتبهن ولهن ايضا ً في لبنان بعض المنازل.
11 المردة في لبنان ودينهم
لما فتح العرب بلاد الشام لم يفتحوا من لبنان سوى مدنه
الساحلية وذكر البلاذري ان فاتحها كان يزيد بن ابي سفيان
سار اليها بعد فتح دمشق مع اخيه معاوية ففتح صيداء وبيروت
وجبيل وعرقة فتحا ً يسيرا ً ثم عاد اليها الروم بعد ذلك
فوجب على العرب تحصينها في ايام الخليفة عثمان بن عفان
فشحنها معاوية بالمقاتلة واعطاهم القطائع.
اما جبل لبنان فلم يدخله العرب لما كان عليه من وعورة
المسالك وكثرة الاحراج والتفاف الادغال فرأى ملوك الروم
تحصينه في وجه العرب. وكان اذ ذاك في جبل اللكام قوم من
النصارى يعرفون بالجراجمة ينتسبون الى مدينتهم جرجومة
الواقعة على ما روى ياقوت في معجم البلدان قريبا ً من
انطاكية بين بياس وبوقة. وكان هؤلاء الجراجمة غزاة ً ذوي
بأس وفروسية يدعوهم كتبة الروم والسريان بالمردة وهو اسم
مشتق من "مرد" الفارسية معناه فيها البطل والرجل والشجاع.
واصل المردة من العجم وقد تتبع العلامة الفرنسوي انكتي
دويرون تاريخ المردة منذ عهد الاسكندر ذي القرنين وعدد
مهاجراتهم المتعددة قبل حلولهم في جبل اللكام وله في ذلك
محاضرة واسعة عرضها على المجمع العلمي في باريس ورد قول
الزاعمين بان المردة موارنة لبنان.
فلعلم ملك الروم قسطنطين اللحياني بتدرب هؤلاء المردة في
آداب الحرب وشدة بأسهم حيثما حلوا لا سيما في الاقطار
الجبلية انتدبهم للمدافعة عن جبل لبنان ورد غارات العرب
عنه فارسل منهم 12000 ليحتلوا مشارفه فانتقلوا اليه. ثم
اخذوا يزحفون الى السواحل والسهول ويندفعون اليها اندفاع
السيول الجارفة فينهبون ويسلبون ويعودون بالغنائم الى
مواطنهم آمنين. فبقي الامر على ذلك مدة ً الى ان صالح عبد
الملك ابن مروان الخليفة الاموي ملك الروم على ان يؤدي
اليه كل جمعة الف دينار ليكفي العرب شرهم فصالحه ورد
الجراجمة الى مدينتهم باللكام.
وان سألت عن ديانة هؤلاء المردة اجبناك انها كانت
النصرانية بلا ريب يصرح بها البلاذري في محل آخر حيث ذكر
خروج مسلمة بن عبد الملك عليهم واضطراره الى مصالحتهم
وامنهم "على ان ينزلوا بحيث احبوا من الشام ويجرى على كل
امرىء منهم ثمانية دنانير وعلى عيالاتهم القوت من القمح
والزيت... وعلى ان لا يكرهوا ولا احد من اولادهم ونسائهم
على ترك النصرانية... ولا يؤخذ منهم ولا من اولادهم
ونسائهم جزية" وقد دعا زعيمهم بطريقا ً وهو اسم يطلق على
كبار عمال الروم. وفيه دليل على ان المردة كانوا كالروم في
ذلك العهد تابعين للمجمع الخلقيدوني.
12 العرب في لبنان
ان العرب استولوا على سواحل لبنان دون انجاده وبقي الامر
على ذلك الى القرن العاشر للمسيح فكان العرب في عهد
الخلفاء الامويين والعباسيين يحكمون على سواحل البحر
ومدنها واذ رأوها هدفا ً لسفن الروم وغاراتهم لم يزالوا
يحصنونها بالقلاع الحريزة التي لا ترام الى ان صارت بلاد
الشام في حوزة الفاطميين ملوك مصر فضغطوا على لبنان ودخلوا
قسمه الجنوبي واوساطه فاستولوا على اقاليمه الخروب والتفاح
والغرب ووادي التيم والفتوح وكسروان تدل على ذلك آثار وجدت
في قرى لبنان من مسكوكات عربية وكتابات مدفنية وردوم جوامع.
وبقي النصارى في جهات لبنان الشمالية في مشارفه واغواره.
ولما زحف الصليبيون الى الشرق في اواخر القرن الحادي عشر
للميلاد لاسترداد الاراضي المقدسة انضوى اليهم نصارى الجبل
ودانوا لهم فصار لبنان مع مدنه الساحلية في يدهم ملكوا
عليه دهرا ً طويلا ً الى اواخر القرن الثالث عشر فعاد
العرب ودوخوا الفرنج في عهد الملك المظفر صلاح الدين يوسف
بن ايوب وانتزعوا من ايديهم سواحل الشام. ثم اتم الفتح بعد
الأيوبيين ملوك مصر الشراكسة المعروفون بالمماليك البحريين
خصوصا ً الملك الظاهر بيبرس البندقداري والملك المنصور
قلاوون وابنه صلاح الدين خليل الاشرف وألحقوا لبنان
بأملاكهم. وفي ايام دولتي المماليك الشراكسة البحريين
والبرجيين دخل لبنان الامراء الشهابيون والتنوخيون
والمعنيون والارسلانيون تنازعوا فيه الرئاسة والحكم الى
ظهور الدولة التركية. وفتح السلطان سليم الأول سورية بعد
انقراض دولة الشراكسة ودخل لبنان مذ ذاك في جملة ممالك
الدولة العثمانية واقطعه السلاطين العظام امراء من
المعنيين وبني سيفا وبني عساف والشهابيين تحت نظارة ولاة
دمشق وصيداء وطرابلس الى ان انالوه النظامات المعروفة في
القرن الاخير.
13 العجم والمتاولة ودينهم
سبق لنا ذكر قدماء الفرس في لبنان على عهد ملوك فارس
وماداي. وقد ورد ذكر العجم بعد الفتح العربي لبلاد الشام
وسواحله وحلولهم في مدن الساحل. وذلك منذ اوائل الخلافة
الاموية. اخبر اليعقوبي في كتاب البلدان ان الخليفة معاوية
لما فتح بلاد الشام وجد مدنها الساحلية خاليةً من السكان
فخاف من غارات الروم عليها فاستقدم قوما ً من العجم احلهم
فيها وخصوصا ً طرابلس وجبيل وبيروت وصيداء وعرقة وانزلهم
ايضا ً في بعلبك فصارت على هذا المنوال كل النواحي المحيطة
بلبنان والايالات القريبة من المدن المذكورة في ايدي العجم.
وقد وجد الرحالة العجمي نصري خسرو في القرن الثالث للهجرة
قوما ً منهم ذكرهم في رحلته. ولا شك ان ما يرى في لبنان
حتى يومنا من المتاولة من نسل هؤلاء الاعجام تدل عليه
صفاتهم ومميزات هيئتهم.
دين العجم والمتاولة - قلنا ان الشيعة فرقة كبيرة من
الاسلام. والعجم كلهم من الشيعيين ومثلهم متاولة الشام.
قال نصري خسرو في رحلته المذكورة يذكر طرابلس: "ان اهل
طرابلس كلهم من الشيعة" وكرر ذلك عن اهل صور. والمتاولة من
الشيعة عرفوا في بلاد الشام بهذا الاسم لانهم تولوا عليا ً
واهل بيته اي اتخذوه وليا ً وكان الصواب ان يدعوا
بالمتولية او المتولين فقالوا لهم في العامة متاولة وقيل
انهم دعوا بالمتاولة اذ قالوا توالينا بعد الله عليا ً
واهل بيته ولهم في هذا وغيره مزاعم يأباها اهل السنة ولذلك
يدعونهم بالرافضية والشيعية. ومن مدعياتهم ان الثاني عشر
من نسل علي المعروف بالمهدي عاش متوحدا ً ناسكا ً في جوار
بغداد ويعتقدون انه لم يمت وانما سيظهر بعد احتجابه في آخر
الازمنة فيوحد الجامعة الاسلامية ويقودها الى الجنة مع آل
بيته. والمتاولة لا يختلطون بمن جاورهم من غير المسلمين
ويحرصون على عاداتهم المذهبية واخلاقهم الملية. عددهم بالغ
في لبنان نحو 20000 اكثرهم في جنوبي لبنان في جهات الشوف
وجزين والمتن وفي ضواحي بيروت ثم في كسروان والبترون.
14 الدولة التركية في لبنان
كان دخول الدولة العثمانية في سورية سنة 1516 اذ حارب
السلطان سليم الاول دولة الشراكسة وقتل ملكهم طومان باي
فصارت بلاد الشام ولبنان معها تحت حكم الدولة العثمانية
الى يومنا الحاضر.
وبنو عثمان ينتمون الى عثمان بن ارطغرل بن سليمان شاه.
وكان سليمان شاه جد عثمان احد زعماء عشائر الترك في بقعة
تركستان. وتركستان موطن الاتراك تعرف اقطاره في التاريخ
بتوران وما وراء النهر وهي تشمل بلادا ً واسعة ومفاوز قحلة
تمتد بين بحر الخزر وتخوم الصين كانت روسيا تحكم على قسم
من مقاطعاتها الشمالية. ومع رحبها لم يتجاوز عدد سكانها
ستة ملايين من البشر. وكان سكان تلك الاصقاع قبائل تقطن
جبال ألطاي فلما نموا وكثروا نزلوا الى الصحارى الممتدة
بين تلك الجبال وبلاد المغول والصين. ثم تشعبوا شعبا ً
وعشائر وفخوذا ً وقبائل لا يكاد يحصى عددها. ولتلك القبائل
لغات تعود الى اصل واحد وهو التركي القديم ومنه الحديث
وليس للتركي قلم خاص وقد كتب بستة اقلام اي اليونانية
واللاتينية والسريانية والرومانية ثم بالعربية والارمنية
هذا ما خلا الحرف الاويغوري الذي استخرجته قبائل الاويغور
من الكلدانية.
وكما تشابهت تلك القبائل بلغاتها كذلك تعود عناصرها الى
اصل واحد. والكتبة قد اطلقوا عليهم اسماء متباينة
كالاسقيثيين والهونيين ثم شاع اسم الترك والتركمان والمغول
والتتار.
والمحدثون من العلماء يجمعون على ان اصل هذه الامم من
العنصر اليافثي فهم من حيث الجد الابعد اخوة الشعوب
الاوروبية وكذا يرتأي الكتبة العثمانيون على انهم يجعلون
القدمية للترك على المغول والتتار وسواهم ويقولون ان تركا
ً كان اكبر اولاد يافث ابن نوح وان من نسله ولد اخوان هما
تتر ومغول جدا القبائل التترية والمغولية.
وقد اشتهر الترك في كل تاريخهم بالاقدام وكثيرا ً ما دوخوا
البلاد المجاورة لهم حتى الصين وتبت. والكتبة الصينيون اول
من ذكرهم باسم "توكيو" بالواو بدلا من الراء لخلو حرفها في
لغتهم. وقد دعاهم المؤرخ اليوناني هيرودوتوس في القرن
الخامس قبل المسيح باسمهم الصحيح.
ثم توالت عليهم الدهور فلما أنسوا بضعف الدولة الرومانية
تقدموا الى نواحي اوربة وجهات العراق وعرف زعماؤهم باسم
الخاقان ثم اختصروه بالخان ثم دعوا الخان الاكبر قا ان.
وفي ايام الدولة العباسية عادوا واستولوا على بلاد الاسلام
ومنهم دول بني سلجوق الذين تولوا على العراق والشام والروم.
وكان ارطغرل في خدمة علاء الدين السلجوقي ساعده في محاربته
للمغول فأقطعه مدينتي سكعد ويكي شهر فقام بعده ابنه عثمان
ثم سلالة عثمان ففتحوا الفتوحات العظيمة الى ان فتحوا
عاصمة مملكة الروم وتوغلوا في اقاليم اوربة الشرقية حتى
كادوا يملكون على النمسا فبلغوا اوج عزهم في زمن سليمان
خان القانوني.
دين الاتراك قبل اسلامهم - كان الدين الغالب على طوائف
الاتراك في سالف الاجيال الدين المعروف بالشمنية او
السمنية المبني على اكرام قوات الطبيعة وعناصرها الاربعة
المزعومة اي النار والهواء والماء والارض وكانوا يكرمون
الارواح ويقدمون لها التقادم والذبائح وكذلك عظموا نفوس
الاجداد وعبدوا تماثيلها. قال المسعودي يذكر دينهم قبل
الاسلام (طبعة مصر 1: 58): "ودينهم دين من سلف وهي ملة
تدعى السمنية عباداتها نحو من عبادات قريش قبل الاسلام
يعبدون الاصنام ويتوجهون نحوها بالصلوات ومنهم من يقصد
بصلواته الخالق عز وجل ويقيم التماثيل من الاصنام والصور
مقام قبلة. والجاهل منهم من لا علم له يشرك الاصنام بالهية
الخالق ويعتقدهما جميعا ً... وان عبادتهم لهذه الاصنام
طاعة له ووسيلة لهم اليه".
ثم انتشرت بين الاتراك النحلة البوذية اشاعها اصحابها
الهنود في الصين والبلاد المجاورة ودانت لها بعض قبائل
الترك.
وكذلك دان بعضهم للدين المجوسي ولمذهب ماني المعروف
بالثانوية اي بمبدأين او الهين متضادين اله خير واله شر
كما ثبت بعدة آثار اكتشفها السياح حديثا ً في جهات تركستان.
ودخلت ايضا ً النصرانية بين قبائل الترك قبل اسلامهم وفي
المشرق مقالة عن النصرانية بين قدماء الترك والمغول فيها
الشواهد العديدة على ذلك (المشرق 1911: 14: 754- 772).
وكان اول من اسلم من ملوكهم تاغودار اخو الملك ارغون فدعي
بعد اسلامه بالسلطان احمد في القسم الثاني من القرن الثالث
عشر سنة 681- 683ه. (راجع تاريخ مختصر الدول لابن العبري
505- 522).
15 طائفة الدروز ودينهم
ومن الطوائف الشائعة في لبنان الدروز واصلهم عريق في الجبل
يرتقي الى القرن الخامس للهجرة. ومذهبهم الديني احد
المذاهب المحجوبة.
وقد ظهر امر الدروز في اواخر القرن الرابع للهجرة في ايام
الدولة الفاطمية قيل انه دخل في خدمة سادس خلفائهم ابي علي
المنصور ابن العزيز بالله الشهير بالحاكم بامر الله رجل من
القرامطة يدعى محمد بن اسماعيل الدرزي المعروف بنشتكين كان
احد دعاة الطائفة الباطنية فجعل يتقرب الى الخليفة بتعظيم
شأنه زاعما ً ان العقل الكلي آدم جاز الى الانبياء ثم الى
السلالة الفاطمية التي اليها ينتسب الحاكم بامر الله فزين
له الادعاء بالالوهية فوافقه الحاكم على قوله. ثم اخذ
الدرزي ينشر بدعة ألوهية الحاكم في مصر فحصل من جراء ذلك
شغب بين الجمهور كاذ يهلك فيه الدرزي ثم ارسله الحاكم الى
القطر الشامي ليذيع مذهبه فقدم الى لبنان ونشر دعوته في
وادي التيم واليه نسب الناس طائفة الدروز وهم ينبذون هذا
الاسم ويدعون نفوسهم بالموحدين ثم قتل الدرزي في بعض
الوقعات سنة 410ه. (1019م) فقام مكانه رجل آخر اسمه حمزة
بن علي تولى الدعوة الى ألوهية الحاكم ويلقبه الدروز
بالهادي ويبالغون في اكرامه فاشاع تعليمه سنة 408ه.
(1017م) وجاهر بمعاداة الدرزي ونسب الى نفسه الامامة. وفي
تلك الاثناء قتل الحاكم بامر الله سنة 411ه. (1020م) فلم
يكف حمزة عن نشر مذهبه في الوهية الحاكم بل انكر موته وكتب
رسالته الموسومة "بالسجل الذي علق على المشاهد في غيبة
مولانا الامام الحاكم" زعم فيها ان الحاكم اختفى امتحانا ً
لايمان المؤمنين.
وللدروز عدة رسائل دينية مدارها على معتقداتهم فيها الامر
والنهي والتنبيه والتحذير والزجر والتقريع تعزى الى الحاكم
بامر الله والى حمزة والشيخ بهاء الدين الصابري والشيخ
يوسف الكفرقوقي شرحها الامير عبد الله التنوخي الملقب
عندهم بالسيد وهو من اوليائهم له مقام في قرية اعبيه
يزورونه بالهدايا والنذور. ومن هذه الرسائل نسخ متعددة في
خزائن الكتب العربية في حواضر اوربا. وقد وصفت مجلة المشرق
سنة 1902 (5: 810- 812) ما عرف منها في هذه البلاد. وبعضها
قد نشر بالطبع كالسجل السابق ذكره وكميثاق ولي الزمان
ورسالة المتوحدين والرسالة المنفذة الى قسطنطين فاصبح بها
مذهب الدروز معروفا ً نوعا ً بعد ان كان محجوباً. ومن اراد
الاتساع في معرفته فعليه بكتاب العلامة المستشرق دي ساسي
في مجلدين ممتعين اسمه باللغة الافرنسية (La Religion
Druze).
والمستخلص من هذه المنشورات ان لاهوته تعالى تجسد غير مرة
وظهر في الارض على صورة بعض الاولياء كان آخرهم الحاكم
بامر الله ( وهم يقولون الحاكم بامره) ويفسرون ما يروي
المؤرخون باجمعهم من اعماله الغريبة على شبه الرموز.
والحاكم على رأيهم هو الاله الوحيد ويدعى اتباعه لذلك
بالموحدين. ويقولون انه سوف يظهر في آخر الزمان ويجازي
اتباعه لذلك بالموحدين. ويقولون انه سوف يظهر في آخر
الزمان ويجازي اتباعه فيجعلهم امراء وسلاطين على بقية
البشر ويعاقب سواهم باشد العذاب.
ومن آرائهم ان النفوس البشرية تكونت كلها معا ً في بدء
الخلق من نور حمزة الذي هو العقل الكلي. وان هذه النفوس
معدودة لا تزيد ولا تنقص مدى الازمنة فاذا مات الانسان ولد
في مكان آخر وهذا ما يسمونه التقمص والمراد به انتقال نفس
الميت عند موته الى مولود آخر ويسمون الجسد قميصا ً.
وفي المذهب الدرزي طبقات ورتب فان تحت الحاكم الوحيد خمسة
وزراء يدعون بالحدود اولهم العقل الكلي وهو حمزة المدعو
ايضا ً بنقطة البيكار والامام. ثم النفس الكلية وهو اسمعيل
بن محمد التميمي احد كتبتهم. ثم الكلمة وهو محمد بن وهب.
ثم الجناح الايمن او السابق وهو سلامة بن عبد الوهاب
السموري. ثم الجناح الايسر او اللاحق وهو بهاء الدين ابو
الحسن علي بن احمد السموكي المتوفى سنة 433ه. (1042م) وهم
يؤرخون بسنة وفاته. وتحت هؤلاء الدعاة والمأذونون والنقباء
او المكاسرون وهي الاسماء التي شاعت سابقا ً عند الباطنيين.
والدروز لا يلتزمون باركان الاسلام اعني الشهادة والصوم
والصلاة والحج والزكاة لان حمزة رفعها عنهم وقد عوضهم
بسبعة دعائم توحيدية وهي اولا ً صدق اللسان ( وهم يكتبون
سدق بالسين). ثانيا ً حفظ الاخوان. ثالثا ً ترك ما كانوا
يعتقدونه من عبادة العدم والبهتان. رابعا ً البراءة من
الابالسة والطغيان. خامسا ً التوحيد للمولى الحاكم. سادسا
ً الرضى بفعله كيفما كان. وسابعا ً التسليم لامره في السر
والاعلان.
والدروز قسمان عقال وجهال. فالعاقل عندهم من تعفف وقنع
وامتنع عن شرب الخمر والمسكرات والتبغ وعن لبس الحرير
ويتعمم بعمامة بيضاء على طربوش احمر ويكتسي بقميص وسروال
من الخام قوقهما قفطان من الخام الابيض او الكحلي فوقه
عباءة من الصوف مخططة قصيرة ضيقة الاكمام. وبين العقال
درجات على حسب معرفتهم لامور دينهم. ومنهم من يتنسكون
ويتوحدون ويتقشفون فيعملون لهم مناسك يبنونها منفردة ً
يسمونها خلوات واصحابها خلواتية او اجاويد. ولهم في قراهم
خلوات صغيرة يجتمعون فيها ليلة الجمعة لامور دينهم وللبحث
في شؤونهم يسمونها مجالس. اما الجهال فليس لهم شيء من
مميزات العقال فتراهم لا يكترثون لامر الدين بتة ولا
يعرفون من شريعتهم الا النادر الزهيد كالوهية الحاكم بامره
وبعض الاصول العمومية. وفي نسائهم الزاهدات وهن يتميزن
بلبسهن البسيط دون الحلي ويحضرن مجامعهم.
وقد اشتهر الدروز بالمجاملة والعصبية والشجاعة وذمة الجوار
واكرام الضيف والاخذ بالثأر والتكتم. وهم شديدو الحرص على
كرامة اعيانهم ومناصبهم فيبالغون في اكرامهم حتى ان شيوخهم
الطاعنين في السن منهم اذا قابلوا احد كبارهم ولو كان ولدا
ً اكب على يده وقبلها ولهذا نرى لكبارهم نفوذا ً عظيما ً
لم تضعفه التقلبات السياسية التي جرت في لبنان.
وكان سكون الدروز اولا ً في وادي التيم ثم امتدوا الى جبل
الشوف في لبنان والى العرقوب ثم الى الجرد والمتن
واستوطنوا جهات صفد والكرمل. ثم انتقلوا الى جهات حوران
واللجاة. يبلغ اليوم عددهم نحو 150000 منهم في حوران 50000
والباقون في لبنان.
وهذه صورة شهادة الدرزي العاقل التي يتلوها يوم وقوفه على
اسرار ملته وانضمامه الى عقلائها.
ميثاق ولي الزمان
توكلت على مولانا الحاكم الاحد الفرد الصمد المنزه من
الازواج والعدد أقر فلان ابن فلان اقرارا ً اوجبه على نفسه
واشهد به على روحه في صحة من عقله وبدنه وجواز امره طوعا ً
غير مكره ولا مجبر انه قد تبرأ من جميع المذاهب والمقالات
والاديان والاعتقادات كلها على اصناف اختلافاتها وانه لا
يعرف شيئا ً غير طاعة مولانا الحاكم جل ذكره والطاعة هي
العبادة وانه قد سلم روحه وجسمه وماله وولده وجميع ما
يملكه لمولانا الحاكم جل ذكره ورضي بجميع احكامه له وعليه
غير معترض ولا منكر لشيء من افعاله ساءه ذلك ام سره. ومتى
رجع عن دون مولانا الحاكم جل ذكره الذي كتبه على نفسه
واشهد به على روحه او اشار به الى غيره او خالف شيئا ً من
اوامره كان بريئا ً من البارىء المعبود واحترم الافادة من
جميع الحدود واستحق العقوبة من البارىء العلي جل ذكره ومن
اقر ان ليس له في السماء اله معبود ولا في الارض امام
موجود الا مولانا الحاكم جل ذكره كان من الموحدين الفائزين.
كتب في شهر كذا في سنة كذا من سني عبد مولاه جل ذكره
ومملوكه حمزة بن علي بن احمد هادي المستجيبين المنتقم من
المشركين المرتدين بسيف مولانا جل ذكره وشدة سلطانه وحده.