الزراعة في لبنان -
لبنان منشورات الجامعة اللبنانية
-تابع-
4- الزراعات
الصناعية نريد بالزراعات الصناعية الجفنة والزيتون والتوت
والتبغ والتنباك وقصب السكر. ثم النباتات العطرية
والنباتات المستعملة للصباغة والدباغة والنباتات الطبية.
الجفنة: هي من مزروعات لبنان العريقة في القدم وقد
كانت مدة من مرافق الجبل الخاصة به فان هواء لبنان وتربته
في غابة المناسبة لزراعة هذه الشجيرة فتعيش وتنمو في جميع
اقاليمه. ومعلوم ان احسن المراكز لزرع الجفنة والحصول على
عنب جيد هي الاراضي المسطحة والآكام المعرضة للشمس او
السهول التي ينضب ماؤها شأن كثير من اراضي لبنان. اما في
الاراضي الكثيرة الخصب والعمق فتطرد بكثرة وقوة لكنها تعطي
ثمارا ً قليلة. ان الطبيعة وجنس الارض ووجهتها والزراعة
انتجت انواعا ً عديدة من الجفنة في بلادنا عندنا منها في
لبنان نصيب وافر ان كان من الاصناف ذات الثمر الابيض او من
ذات الثمر الاسود كالزيني والمقساس والقرقاشي والقاصوفي
وبيض الحمام والمرواح يؤكل معظمها عنبا ً في نفس الجبل او
في المدن المجاورة واجودها في اقليم جزين وجهات زحلة
وبحمدون والباروك وقرنايل وفالوغا وكفرساوان والعبادية
وبكفيا وجبل المنيطرة. وتعمل الخمر الجيدة في كل من
الخنشارة وبتغرين وصليما وبحنس وبكفيا وبيت شباب وزكريت
وزوق مصبح وغزير والكفور وريفون وسبعل. ويقدرون مساحة
الاراضي المغروسة جفنة باثنين وعشرين الف دونم تقريبا ً.
ولا يخفى ان خمر لبنان مشهورة من قديم الزمان ومنذ الجيل
الرابع عشر قبل المسيح فكانت فينيقية تتاجر بها وكانت تدخل
في الجزية المقدمة من الفينيقيين لملوك مصر ويذكر الكتاب
الكريم مرارا ً خمر لبنان. وبقيت شهرة الخمر اللبنانية في
القرون المتوسطة فكانوا يعدون خمر بلاد البترون والكورة من
اجود الخمور كما انه في عصرنا ترى زائري بلادنا يتكلمون عن
الخمر اللبنانية وجودتها. ويصنعون الخمر في لبنان فقشا ً
او مغليا ً وتكون حلوة ً ومرة ً فخمر جبة بشراي حمراء
وخفيفة وخمر الزاوية بيضاء وخمر كسروان عادة ً صفراء ذهبية
وخمر القاطع حمراء وثقيلة وذلك لغليانهم لها وتمتاز خمر
صليما بكونها وردية حسنة الطعم وهذه السنين الاخيرة شاع
جدا ً في لبنان خمر كرم عروس في بكفيا وخمر كساره وكلتاهما
تعد من اجود الخمر ولا تقل طيبا ً عن الاجناس القديمة بل
الاجنبية الفاخرة.
يربي اهل الجبل كرومهم على الطريقة العالية او على الطريقة
الوسطى ونعني بالطريقة العالية ما ترك فيها للجفنة اغصان
مستطيلة فتارة ً توصل بشجرة من الاشجار كالتين والسنديان
او البطم فتشتبك اغصانها باغصان تلك الاشجار او يمدون تلك
الاغصان من شجرة الى اخرى لتتألف منها عرائش او اكلة او
يسندونها الى الجدران فتمتد عليها ما شاءت كما يرى بجوار
البيوت. اما الكرمة المتوسطة العلو فيدعون ساقها تنمو نحو
ذراع ونصف او ذراعين ويدعمون اغصانها بركائز وهذه الركائز
منها عالية تسمى دقرانا ً والعامة يدعونها شلا ً او شلة
وتستعمل في الوسوط والسواحل منها واطئة تسمى مسماكا ً
ويستعمل منها في اعالي الجيل عدة مساميك لكل جفنة كما في
البقاع وزحلة. اما في الجرود فتنبسط الدوالي على الارض.
والطريقة المتوسطة هذه هي الجاري عليها في كروم بلادنا
واحيانا ً في الاراضي ذات الاسطحة.
وذلك انهم يغرسون الجفنة على حافة الجل مسنودة الى ركيزة
ويدعون باقي الجل لمزروعات اخرى. لكن الانواع الافرنجية
تزرع على الطريقة الواطية اي ان ارتفاع الجفنة لا يتجاوز
ثلاثين سنتيمترا ً كما نرى في الكروم التي انشأها بعض
الاجانب عندنا وفي مستعمرات الاسرائيليين في فلسطين حيث
اتوا باصناف من الكرمة المستعملة في اوروبا.
الزبيب والدبس والعرق: ثم ان اللبناني يستغل من كرمه
ليس فقط العنب والخمر لكن الزبيب والدبس والعرق فالزبيب
يؤكل اغلبه في ارضه والقسم الذي يصدر منه يستحضر معظمه في
بحمدون اما الدبس فيستخرجون اكثره في جرود المتن وكسروان.
والدبس العنبي المشهور هو دبس المزرعة وفاريا وبقعتوتا
وميروبا وحراجل وريفون والقليعات ووطأ الجوز. ويستخرجون
ايضا ً الدبس من الزبيب ويعرف بالدبس الزبيبي خصوصا ً في
جهات بحمدون وبعضهم يستحضرون الدبس مطروفا ً فيتجمد ويضرب
الى اللون الاشقر ومربى الدبس هذا من المربيات اللذيذة
النافعة ولا بد ان يزداد رواجه بعد ان اعتاد الجميع على
استعماله في المدات الاخيرة فصاروا يستطيبونه لكن استحضاره
قبل بضع سنين كان قد خف كثيرا ً وربما سبب ذلك رخص اسعار
السكر.
ومن محصولات الجفنة المهمة العرق وهو من المشروبات
المستطابة وتجارته رائجة واشهره عرق زحلة والخنشارة واكثر
ما يصدر منه من قضا زحلة حيث يحولون الى هذا المشروب كل
محصول كرومهم الواسعة الا ما اكل عنبا ً في ارضه. ونزيد
هنا انهم اخذوا من بضع سنين بعمل الكونياك وشراب الجوز في
كساره وبكفيا فاتى هذا المشروع بنتيجة حسنة.
ان رغبة اهل لبنان في غرس التوت ثم قلة اليد العاملة وما
تقتضيه زراعة الكرم من العناية المتواصلة والخبرة والكلفة
ادت الى تأخر هذه الزراعة وخصوصا ً ان طلب الخمر اللبنانية
في مصر قد خف من جراء مزاحمة الخمور الاجنبية وقلة مقطوعية
الدبس لكن ما لنا الا ان ننظر حوالينا الى المشاريع
الاجنبية فنلرى ان الكرم اذا أتقنت زراعته وزيد الاعتناء
بمستغلاته لا يلبث ان يعود على اصحابه بارباح طائلة.
لا بد للحصول على ذلك من الاهتمام باستدراك الآفات التي
تعتريه والا فسد ثمره وربما فنيت الشجرة بتمامها.
رمد الكرم: ومن تلك الآفات مرض فطري يدعونه "الرمد"
(Oidium) ظهر في جبلنا منذ اواسط القرن الماضي وعم كرومنا
ضاربا ً بادىء بدء الاصناف الجيدة منها ذات القشرة الرقيقة
(الأشكال) وهذه العلة تسطو على كل اجزاء الشجرة كاسية
اياها بوبر رمادي مثل الدقيق وتمنع نمو العنب فتتشقق جلدته
وبخس قيمته ولكن لحسن الحظ ان المداواة سهلة وهي المسارعة
عندما تظهر علائم المرض الى استعمال الكبريت فيرش على
الدالية بواسطة منفخ خصوصي بنوع ان دقائق هذه المادة تعمها
اجمع وللحصول على نتيجة مرضية يجب مراجعة الرش فتكون الرشة
الاولى في ابتداء نمو الغرس والثانية اوان الزهر والثالثة
على الحب وباستعمال طريقة المعالجة هذه تمكنوا في الخارج
من استئصال هذه العلة بينما انها لا تزال منتشرة في بلادنا
لا يوقفها معارض فاذا كانت هذه غفلتنا لمعالجة هذا الداء
السهل المداواة والقليل الكلفة فترى ماذا يحل بكرومنا اذا
دهمتها ضربة قتالة كالفيلوكسيرة.
داء الفيلوكسيرة: ان هذا الداء هو على الباب او
بالأحرى اصبح في البلاد. ان الفيلوكسيرة هجمت على الممالك
الشاهانية سنة 1885 فأخذت من هذا التاريخ تزيد تقدما ً
وانتشارا ً بنسبة ازدياد سرعة المواصلات في داخلية البلاد
وحركة الموانىء في الثغور وهكذا عمت الرومللي واكتسحت قسما
ً من بر الاناضول ومنذ سنة 1896 ابتدأت تفتك في كروم ولاية
آبدين. فتناقصت صادرات العنب منها ثم اخذت بالامتداد تباعا
ً الى ان بلغت في اواخر القرن الماضي شواطىء فلسطين في
كروم المستعمرات اليهودية. وفي ابتداء القرن الحالي اعلن
انتشارها في جنوبي سواحل سورية خصوصا ً في المستعمرات وسنة
1912 فتكت فتكا ً ذريعا ً في بعض قرى قضاء صور ولا ريب مع
ما نعرفه من سرعة زحف هذه الآفة ان تكون تقدمت نحونا
ولعلها الآن في بعض كروم الجبل الجنوبية ونحن غافلون عن
وجودها.
صفة الفيلوكسيرة وعلائمها: ان عدو الكرمة الالد هذا
هو حشرة تعيش على الجذور فتمتصها وتميت الشجرة. سميت هذه
الحشرة فيلوكسيرة لمشابهتها لفيلوكسيرة السنديان وهي حشرة
تعيش على اوراق البلوط الابيض (الملول) ويعرف وجودها هناك
من الصفرة التي تعلو النقطة المقروضة. والفيلوكسيرة ذات
اشكال مختلفة منها ارضية ومنها هوائية.
الصنف الاول: ان الصنف الاول هو الخالي من الاجنحة
واعضاء التوليد (aptères agames) ومن شاء ان يرى هذه
الحشرة لا يجب ان يطلبها في الدوالي اليابسة بين الآثار
الصفراء التي تتركها عليها بعد انتقالها بل يجب ان يحفر
بالقرب منها على جرثومة دالية تظهر انها سليمة وحينئذ
يشاهد على اصولها غبرة صفراء. فاذا اتى بآلة مكبرة رآها
مؤلفة من حشرات كثيرة ذات لون اصفر وهي صغيرة جدا ً لا
يزيد طولها على 0.3 الميليمتر وعرضها 0.1 ميليمتر وجسمها
مستدير من امام ورقيق من وراء ومنقسم الى اقسام ذات غضون
معترضة. ففي اقسامها الاولى الثلاثة لجهة البطن ثلاثة
ازواج من القوائم قصيرة ونحيفة. وفي راسها عينان تحيط بهما
ثلاث نقط حمراء وقرنان يتركب كل منهما من ثلاثة مفاصل
اثنان كثيفان وقصيران والثالث اطول قليلا ً وفي القسم
السفلي من راسها ممص تستخدمه لتناول غذاء وهو مركب من ثلاث
وبرات موجودة ضمن غلاف خصوصي فتدخل قسما ً من خرطومها هذا
في قشرة الاصول وتبقيه فيها جاذبة اليها ما تتضمنه من
المائية. وكل هذه الحشرات اناث لا اجنحة لها تتوالد بلا
توسط الذكورز ومتى انشبت ممصها في اصل الدالية القت حولها
من 25 الى 30 بيضة كاذبة (وهي ما وضعته الاناث دون الذكور)
ومددت جوفها الى كل ناحية والقت من هذه البيوض ركما ً
عديدة صغيرة وبعد ذلك تموت. فلا تمضي ثمانية ايام حتى ينقف
البيض وتخرج منه كائنات مكروسكوبية شبيهة في كل شيء
بأماتها. وبما انها تكون في بدء ولادتها نشيطة وخفيفة
تنتشر على اصول الدوالي وبعد ثلاثة او اربعة ايام تختار
لها مقاما ً فتغرز فيه خراطيمها ولا تتحول عنه الى ان تمتص
كل مائيته. وكلما امتصت كبرت وضخمت. وتصوم دون ان تنتقل من
مواضعها ثلاث صومات بين الواحدة والاخرى اربعة او خمسة
ايام. وبعد مضي عشرين يوما ً لنقفها تصير حشرات كاملة
فتشرع تبيض. وهكذا تتجدد الامور المتقدم ذكرها مدة طويلة
من السنة اي من 15 نيسان الى اول تشرين الثاني في النواحي
الجنوبية. ومما مر يعلم ان تكاثر هذه الحشرات سريع للغاية
حتى انه تقدر مواليد الفيلوكسيرة الواحدة في السنة بخمسة
وعشرين او ثلاثين مليونا ً. قال المسيو بارال: ان المائة
بيضة من الفيلوكسيرة تستطيع في السننة ان تغطي مسافة هكتار
من الارض اذا وضعت طرفا ً الى طرف وجنبا ًالى جنب. وفي شهر
تشرين الثاني تموت الحشرات المتقدم ذكرها او بالحري الامات
البائضة. اما الناقفة منها حديثا ً فانها تصرف الشتاء
متعلقة باصول الدوالي وهي بحالة تخبل تام وتتخذ اذ ذاك
لونا ً اسمر ويظهر عليها ىالضعف والهزال. اما في شهر نيسان
فتستيقظ من سباتها وتواصل سلسلة التوليد على ما تقدم شرحه.
وقد اكد بعضهم ان هذا التكاثر يستمر متواصلا ً اربع سنوات
على الاقل.
الصنف الثاني: ان الصنف الثاني من الفيلوكسيرة يدعى
ذرا ً (Nymphes). يلاحظون في مدة الصيف من تموز الى ايلول
ان بعض الحشرات الناقفة حديثا ً والمتولدة عن ذات الجناح
لا تصير أمات بائضة بل تصوم صومتين بزيادة ثم تتحول الى
شكل الذر. وهي تفترق عن البائضة بان هيأتها العمومية ارق
وقرونها أطول وفي وسط جسمها غلافان للاجنحة بشكل زائدتين
مائلتين الى السواد. ومن صفاتها النشاط والقوة ولا ويمضي
على نقفتها خمسة عشر يوما ً حتى تخرج من شقوق الارض ثم
تصوم صومة واحدة وتتحول الى حشرة ذات جناح.
الصنف الثالث: هو الفيلوكسيرة المجنحة وهي ايضا ً
اناث ولكنها غير كاملة بل لا يمكنها ان تصل الى درجة
الكمال وتتوالد دون توسط الذكور وجنسها ضارب الى الصفرة
وتطير الى كل ناحية وصوب تارة ً الى مسافة قصيرة وتارة ً
الى مسافة طويلة تبعا ً لقوة الريح. ومتى وقعت على كرمة
تلقي على حمل الورق وقشور الدوالي وجذورها ثلاث او ست
بيضات كاذبة بعضها كبير وبعضها اصغر وتكون هذه البيوض
مائلة الى الصفرة في بادىء الامر ثم انها لا تلبث ان تصير
صفراء بالتمام وعنها يتولد شكل جديد يدعى الشكل المتولد
(Sexués).
الفيلوكسيرة المتولدة: فمن البيوض المذكورة تخرج ذكور
اذا كانت صغيرة واناث اذا كانت كبيرة ولا يكون لهذه الذكور
والاناث من ممصات فانها لا تأكل واعضاء الهضم فيها ضئيلة
ويعكس ذلك جهازها التوليدي هو كبير ممتد ويبلغ طولها 38 من
مائة من الميليمتر وعرضها 15 من المائة ولونها اصفر فاتح
ولا تكاد تولد حتى تتزاوج ثم تموت الذكور بينما ان الاناث
تبيض بيضة ً وحيدة وتلقيها تحت قشور الزراجين القديمة بقرب
الفروع الحديثة وتسمى هذه البيضة بيضة الشتاء وتنقف في
الربيع عن حشرات خالية من الجناح بعضها يبحث في الحال عن
اصول الدوالي فيتعلق بها والبعض الآخر ينساب تحت الورق
فيحدث فيه غددا ً صغيرة. ومما مر يتضح ان الحشرات البيوض
يمكن ان تتولد اما عن بيضة حقيقية خارجة عن لقاح واما عن
بيضة كاذبة خارجة عن اناث غير ملقحة.
ان الفيلوكسيرة ذات الجناح وكذلك الفيلوكسيرة الخالية من
المماص والاجنحة ذكورا ً كانت او اناثا ً تتوارى كلها في
فصل الشتاء اما الفيلوكسيرة الارضية فلا يقوى منها على
صبارة البرد سوى الشواب النشيطة.
هذا وان الفيلوكسيرة المجنحة هي اعظم وسيلة لسريان المرض
وانتشاره وبما انها تنتقل مع الريح كما سلف البيان فكثيرا
ً ما يحدث في بعض الاحوال ان تحمل العدوى الى كروم بعيدة
جدا ً عن النقطة المصابة. وتوجد طريقة اخرى لانتشار المرض
شديدة الخطر ايضا ً وهي سريانه بطيئا ً من قريب الى قريب
تحت الارض ما بين شقوق التربة.
الوقوف على وجود الفيلوكسيرة ومداواتها: في بادىء الامر اي
في العامين الاولين لغارة الفيلوكسيرة لا يدرى بوجودها
ولكن بعد ذلك بقليل يأخذ الاسترخاء الدوالي وتضعف اغصان
الجراثيم التي هي اشد من سواها اصابة وتصفر الاوراق
وتتناثر قبل الاوان ولا يبلغ العنب تمام النضج ويشاهد على
الجراثيم تضخم وتعقد يضعفان الكرمة و لا يلبث هذا التضخم
ان يسوق التلف الى العروق الصغيرة فتتهرأ واما الجراثيم
الكبيرة فتسود وتصير سهلة التفتت وهكذا تتلف الدالية عن
الضعف والضنى. ولاتقاء شر هذه الآفة يلزم ان لا ينتظر
ظهورها في كرم ما بل حال ظهورها في منطقة 20 كيلومترا ً
يجب المبادرة الى اتخاذ الوسائط المقررة لان الدوالي
الموجودة ضمن هذه المنطقة قد يمكن ان تكون ظواهرها سليمة
لكنها لا تعد خالية من المرض. ويلزم خصوصا ً منع ادخال
الدوالي الاميركية بكل صرامة لانه لوحظ في اوروبا ان ظهور
المرض كان مسببا ً عن الاغراس الاميركية فهي كانت السبب في
نقل المرض لتلك البلدان. وفي سورية ظهر في ارض كان
الاسرائيليون قد غرسوا فيها دوالي اميركية. فاذا أدخلت
الجفنة الاميركية لمحل من غير احتراس كاف تدخل الفيلوكسيرة
معها لذاك المحل واجناس كرمتنا لا تقوى على مضار
الفيلوكسيرة مثل ما تقوى عليها الجفنة الاميركية ولهذا سنت
كل الحكومات القرارت الصارمة مانعة ً ادخال الجفنة
الاميركية ما لم تكن المحلات المراد نقلها اليعها موبوءة
بتأكيد.
وقد استعملوا لابادة الفيلوكسيرة وسائط شتى منها غمر الارض
المزروعة كرما ً بالمياه مدة اربعين يوما ً ومنها المعالجة
بمواد قاتلة للحشرات كسولفور الكربون وخلافه الا انه نظرا
ً لعدم تيسر تغريقها بالماء كل وقت او لكثرة كلفة باقي
الوسائط عدلوا عن هذه المكافحة ويقتصرون الآن على تجديد
الكروم التالفة بغرسهم الجفنة الاميركية وهي اصناف يختار
منها ما يلائم جنس التربة. وحيث لا يكون ثمر الجفنة
الاميركية لذيذا ً ولا يصلح للخمر فتطعم بالاجناس الاهلية.
الزيتون: ان كل ارض يخصب فيها الكرم والتين يخصب
فيها الزيتون ما لم تكن كثيرة الرطوبة فتضر بالجذور
وتعفنها. ولذلك كانت الاراضي المتحدرة التي تنضب فيها
المياه بسرعة انسب من السهول لغرس الزيتون. ان زراعة
الزيتون قديمة في لبنان اذ تربته ويبوسة ارضه تلائمه تمام
الملائمة وينبئنا التاريخ انه منذ عهد الفينيقيين كان
الزيت كالخمر يقدم كجزية لملوك مصر.
يغرسون في اراضي لبنان الجبلية شجر الزيتون في فسحات القرى
او في الجلالي بعيدا ً بعضه عن بعض ويزرعون بينه صنوفا ً
اخرى كالكرمة والتين واحيانا ً الحبوب. ولما كان سابقا ً
هذا الشجر منتشرا ً في الاحراج كثيرا ً ما كان ينقل منها
الى المزارع فيطعم اما الآن فندر وجوده في الغابات واندثر
تقريبا ً. ويزرعون ايضا ً الزيتون فسائل وجذورا ً تفصل من
اصل زيتونة كبيرة وتوضع اولا في ارض منقوبة جيدا ً حتى
تتأصل ثم تقلع بترابها وتغرس في شهري كانون الثاني وشباط
في حفر حفرت لهذه الغاية في فصل الخريف بعد ان تروى الارض
بمطر غزير. ولا بد من تسميد الحفر قبل غرسها بان يخلط جيدا
ً تراب قاعها مع السماد. ومما يفيد الزيتون من السماد
البوتاسا والصوداء فيحويهما الرماد واما الكلس فيحويه
الحوارى واما السيليكيا فيحويه الرمل وكل هذه المواد قريبة
المنال في بلادنا. واصطلحوا الآن في شمالي افريقيا
كالجزائر وتونس على غرس منابت من الزيتون تنقل منها
القسائل بسرعة ولا تلبث ان تعوض بعد سنين قليلة ما لحق
زراعته من التأخير في الابتداء.
يوجد في سواحل الجبل مزارع من الزيتون فسيحة عامرة اهمها
مزارع الشويفات اذ تبلغ صحراؤها سبعة كيلومترات طولا ً في
عرض يختلف بين كيلومتر وثلاث كيلومترات وهي مرصوصة متواصلة
لا يدخل فيها صنف آخر من الاشجار وقد غرس اكثرها قبل ستين
سنة ومزارع المختارة وعماطور وهي اوسع منها الا انها
مختلطة بمزروعات اخرى. ثم مزارع الكورة التي تمتد على طول
خمسة كيلومترات في عرض كيلومتر ومزارع قصبة زغرتا وهي
واسعة ايضا ً جميلة الا انها تختلط بغير الزيتون.
ان زراعة الزيتون زراعة مستحسنة اذ انها تعطي غلات وافرة
كثير استعمالها في بلادنا. الزيتون يؤكل مستحضرا ً انواعا
ً كالزيتون الاخضر المسبح والمرصوص والزيتون الاسود او
يحول الى زيت وهو كثير المقطوعية فضلاً عن كونه مطلوبا ً
برواج لحاجة معظم البلاد الاجنبية اليه وزراعة الزيتون
واسعة في جزر البحر المتوسط ويعدونها من اجل مزروعاتهم ففي
جزيرة صفاقص مثلا ً تجني الزيتونة التي عمرها ثلاثون سنة
من 15 الى 25 فرنكا ً واحيانا ً اكثر. هذا فضلا ً عن محصول
المزروعات الاخرى التي يزرعونها بين الزيتون مثل العنب
والخوخ والمشمش والفول والبطيخ. ولكن حتى يحصل من الزيتون
على غلة جيدة يجب على المزارعين ان يعتنوا بجني الحب دون
تقصيف اطراف الاغصان. وهكذا تبطل نوعا ً شكاية الجبليين من
انقطاع حمل الزيتون من سنة الى اخرى لانهم عادة ً يعدمون
قسما ً من رؤوس الاغصان المعدة للحمل في السنة التالية.
ويجب عليهم ايضا ً ان يتخذوا الطرائق المستحدثة لعصر
الزيتون فان الزيت الطيب المرغوب خارجا ً عن بر الشام لا
ينال الا بالادوات الخصوصية التي انتشرت اليوم في اوروبا
وابتدانا مؤخرا ً بجلب قليل منها ولا يزال عصر الزيت جاريا
ً عندنا على عادة القدماء. لكن جودة ادوات العصر وحدها لا
تكفي للحصول على زيت جيد بل يلزم مداركة الزيتون قبل العصر
بأن لا يوضع اكداسا ً بعضه فوق بعض لئلا يختمر فيعطي زيتا
ً حادا ً. وان كان المقصود من ذلك زيادة العصير فالادوات
الحديثة تفي بالمرغوب اذ انها بعد ان تعطي زيتا ً من اول
طبقة تسحق الحبوب بمضغط قوي ثم يغلى الجفت ويضغط ثانية حتى
لا يبقى فيه زيت. ولا يخفى ما في ذلك من زيادة الايراد لان
في النوى كثيرا ً من الزيت بينما ان الجفت كان يستعمل
سابقا ً بما يحويه من الزيت كوقود للافران. ثم اخذ بعض
التجار يجمعونه ويصدرونه الى الاسكندرية. الى ان انشأوا في
طرابلس معصرة حاوية آلات لاستخراج الزيت من نفاية الزيتون
فاخذوا يستوردون الجفت والنوى.
وكانوا في الماضي يشترون المحصول الحاد من زيت بلادنا
لحاجة المصابن لكن بعد ان شاع استعمال زيوتات اخرى لهذه
الغاية كزيت السمسم والفول السوداني والكتان وخلافها قل
طلب زيتنا وهذا سبب نزول الأسعار المتتابع لدرجة ان سعر
الزيت الذي نعده جيدا ً لم يتجاوز رطله في بعض السنين
الثمانية او التسعة الغروش.
ان زيت السمسم كان قبلا ً زهيدا ً جدا ً وشحن منة سنة 1843
الى فرنسا كمية قليلة من جبل نابلس وذلك برسم التجربة واذ
صادف التوفيق اخذت زراعته تزداد سنة فسنة ثم عمت زراعته في
اراضي بلادنا حتى صار في مدة قصيرة يعد من محصولاتنا
الكبيرة ويشحن منه سنويا ً عدة مراكب الى الخارج.
فعلينا ان نعير مسألة استخراج الزيت اهتمامنا لان غلة
بلادنا من الزيت لم تزل وافرة وتعدل صادرات طرابلس في سني
حمل الزيتون بقيمة مليونين من الفرنكات وصادرات بيروت
بمليون فرنك وتنزل في سنين المحل الى مائة الف فرنك ومعلوم
ان هذه الكميات اكثرها حاصل من الجبل. وبالاختصار نقول ان
اجود الزيتون اذا لم يعتن في التقاطه ولم يحسن استحضاره لا
يعطي الا زيتا ً رديئا ً.
واعلم ان للزيت اوزانا ً ومكاييل اصطلحوا عليها وهي: الجرة
15 اقة والقلة 14 رطلا ً وربع. وفي الكورة والزاوية
وطرابلس يتعاملون بالقلة فمتى طلب احدهم ثمن الزيت اراد به
القلة. اما في جهات الشوف فيتعاملون بالجرة.
التوت: ان اهم الاشجار الصناعية في لبنلن هي التوت
تجده في كل انحاء الجبل في السواحل كما في الاراضي الجبلية
اذ شغلت اشجاره قسما ً من مكان الغابات فاقام له الفلاح
الجلالي ونقب له الارض وضحى لاجله مزروعات اخرى حتى
الاشجار المثمرة. وزراعة التوت بازدياد متواصل وامتدت
كثيرا ً في نواحي طرابلس وصور وصيداء وانطاكية ومرسين
واسكندرونة وأكثر من زراعته في امستعمرات الاسرائيلية.
ويستخدم ايضا ً اللبنانيون قضبان التوت للوقود والقشور
للربط. ومنهم من يدخرها للشتاء طعاما ً للمواشي وكذلك
الورق الخريفي مع نفاية الورق الذي قدم طعاما ً لدود القز
ويسمى الجزة. وفي السواحل يقطعون كل سنة اغصان التوت. اما
في الجبل فيتركون بعض الاغصان للسنة التالية فحينئذ
يقطعونها ويربون غيرها ولا ريب في ان معاملة التوت هذه
السيئة مما يقصر عمر الشجرة فلو كانوا يربون شجر التوت
تربية اكثر مناسبة لطبيعته لعاش زمنا ً اطول.
ويعدل المزارعون زراعة التوت با لاحمال وحمل الورق كناية
عن 30 رطلا ً او بالمساحة والمساحة المصطلح عليها هي
الكدنة عبارة عن مساحة بذار مد قمح تقريبا ً فتعطي من 40
الى 50 حمل ورق حسب حالة التربة وكلفتها. ويصعب تحديد اوان
دخول زراعة التوت في اقطارنا الشرقية وربما كانت وطنية
فيها لكن البضائع الحريرية كان الفينيقيون ينسجونها بعد
استجلاب موادها من الصين والهند والعجم بطريق مصر والبحر
الاحمر وعن طريق تدمر والفرات ويبيعونها للرومانيين
واليونان وكانت صور وبيروت في فينيقية اهم مراكز هذا
النسيج وفيهما يقيم تجار وحاكة الحرير ومنهما انتشرت هذه
البضاعة في سائر الاقطار. اما بزر القز فدخل بلادنا قرب
السنة الخمسمائة والخمس والخمسين اذ كان استحصل عليه
الامبراطور يوستنيان من الصين بواسطة راهبين كان انتدبهما
لهذه الغاية فاتياه بكمية من بزر القز وبزر التوت مخبأة في
عصيهما لوقايتها من المراقبات الشديدة في الهند والعجم
والصين استئثارا ً بغلة هذه الصناعة. فلدى الحصول على بزر
القز ربى السوريون دوده على شجر التوت "التوت الاسود"
المنتشر حينذاك عندهم اذ كان يعطى ورقه للمواشي فتوسعت
صناعة الحرير هذه لكنها ما لبثت ان توقفت نوعا ً بسبب
احتكارها من طرف الامبراطور ثم عادت فانتشرت وزهت تحت حكم
بني امية والعباسيين وامتدت الى البلاد الاجنبية كاسبانيا
وصقلية وغيرهما من البلدان ثم الى فرنسا وفي القرن الثاني
عشر كانت زراعة التوت متسعة وتربية القز منتشرة بكثرة في
لبنان وكانت النساء يتعاطينها فيربين الدود في خصاص كانوا
يقيمونها لها في البساتين بالقرب من شجر التوت ومنذ القرن
الخامس عشر اصبح حرير لبنان رائجا ً في اسواق فرنسا ثم في
القرن الثامن عشر تناقصت ارساليات الحرير الى الخارج
لاسباب لكن استحضاره بقي ثابتا ً بفضل صناعة النسيج
الوطنية الزاهية في الشام وحلب خصوصا ً وكانت هذه تصدر
كميات وافرة الى جميع الاقطار الشرقية ولما اهملت صناعة
النسيج في القرن التاسع عشر كان طلب الحرير من الخارج
يزداد واصبح كذلك غرس التوت وتربية القز يزدادان تباعا ً
في جبل لبنان حتى بلغت ما هي عليه الآن فاصبحت من محاصيل
بلادنا المهمة.
بقي اللبنانيون اجيالا ً يربون جنسا ً واحدا ً من البرز
يدعونه البلدي الذي لونه ابيض او اصفر وكان كل مزارع يبزر
حاجته منه فتعطيه اوقية البزرطاي 12 درهما ً" ستة ارطال من
الحرير المحلول واحيانا ً اكثرز ثم لما ظهر مرض القرن
الأحمر ومرض الذبلان واخذ يفتك في الخصاص جعل اللبنانيون
يستجلبون البزر من فرنسا ويزوجونه من الجنس البلدي فحصلوا
منه على بزر جيد قوي يصح خصوصا ً في السواحل. ثم أتي
بالبزر الياباني من فرنسا نحو السنة 1863 سموه في بلادنا
"بزر صيني" كان يرسل الينا على خرائط من كرتون وكان يجري
تبزيره في بلادنا مع تجديده حينا ً بعد حين فتحسنت نتيجته
شيئا ً فشيئا ً وتحسن جنسه واخذت اوربا تستجلب من بزره
جانبا ً فاصبحت صناعة التبزيز رائجة مدة في لبنان وعندما
انتشر نحو سنة 1872 المرض المعروف بالمحروق (Pébrine)
صاروا يأتون بالبزر من المحلات التي لم يبلغها المرض بعد
كطرابلس وعين كسور في الشوف وهذا لون شرانقه اصفر مائل الى
الحمرة تعد الاقة منه 700 شرنقة. ثم من قبرس "اصفر وابيض"
ثم من كريت "اصفر" ثم من مصر "اصفر" حيث كانت ادخلت تربية
القز في نواحي قرين وزوامل في عهد محمد علي باشا اذ استحضر
البزر السوري واستقدم لتربيته قزازين من برج البراجنة وزوق
مصبح والدامور. الى ان اكتشف باستور طريقته المشهورة
بانتقاء البزر الجيد وذلك بفحص الفراش بالميكروسكوب فينقى
منه ما كلن مريضا ً ويتبقى الصحيح حيث ثبت ان البزر الذي
يتولد منه يكون مصابا ً بالداء. فابتدأ اصحاب تربية القز
في بلادنا سنة 1873 يجلب البزر من فرنسا (ويسمونه عندنا
بزر كورسيكا) ويكثرون منه سنة ً فسنة لجودة محصوله وحسن
شرانقه الغرشاء وجودة قماش حريره الى ان اصبح سنة 1878
عموم البزر المربى في سورية من هذا الجنس ولم يزل. على انه
داوم افراد قليلون على تربية قسم جزئي من البزر الهندي
المفحوص فحصا ً ميكروسكوبيا ً ومنهم من يربيه صيفيا ً اي
انهم يحصلون على موسمين في السنة الموسم الثاني يربى على
الورق التشريني. ومن بعد انشاء مكتب درس تربية القز في
بروسه نحو سنة 1882 اخذت ادارته بايعاز من الحكومة السنية
تورد كمية منه اختبرها زراعو سورية فاتت بنتيجة مرضية ولا
شك انه اذا دام الاعتناء باستحضاره تتزايد الكمية الداخلة
لنه ويعدلون بستة آلاف علبة ما ربي منه في بلادنا في السنة
الماضية 1917.
ويقسمون بزر القز الى عدة اجناس منها سنوية ومنه تفقس
مرتين او ثلاث مرات او اكثر في السنة ولا يزال منها في بعض
انحاء الشرق الاقصى. اما الاجناس التي تربى في اوربا وفي
الشرق الادنى فكانت متواترة النتاج ايضا ً غير ان حذاقة
المربين بلغتهم باختبار انواع الدود ان يصيروها سنوية
ويقتضي لبزرتها او بيضتها حتى تفقس ان تعرض مدة للبرد
وبالعكس اذا بقي البزر محفوظا ً في محل دافىء منذ ولادته
حتى وقت التربية في الربيع من غير ان يلحقه ىالبرد فلا
ينفق الا السنة التي بعدها اذا وضع قبلا ً في محل بارد
ولهذا يضعون البزر في امكنة باردة ليقضي فيها فصل الشتاء
ويدعون ذلك تشتية ويجعلون البزر في سوريا في فصل الشتاء في
اعالي الوسوط في الكنائس عادة ً ويا حبذا لو انشىء في
لبنان محلات خصوصية ليقضي البزر فيها فصل الشتاء تكون
مستكملة الشروط اللازمة من جهة درجة البرد ونشوفة الهواء.
وقبل المباشرة بتربية القز (شيل) يدفأ البزر تدريجا ً
ولفقسه حسنا ً يحتاج الى حرارة وهواء وشيء من الرطوبة. ولا
بد لحسن فقس البزر وللحصول منه على نتيجة جيدة ان ينقل
بالتدريج من المشتى الى المدفأ وان يضعوه في المدفأ طبقات
خفيفة ولا يكدس البزر فوق بعضه وان يحرك من وقت الى آخر
حتى يتمكن من التنفس ويكون تنفسه متساويا ً لئلا يصير
اختلاف زمان في التفقيس فيصعب بذلك تربيته. وليست محلات
التدفئة ضرورية لنقف البزر بل يكفي لذلك ان ينقل من
المشاتي الى محلات التربية المعرضة لحرارة الربيع الطبيعية
لكن البزر ينقف اذ ذاك متأخرا ً وبازمنة متفاوتة فضلا ً عن
ان البزر يأتي ضعيفا ً نحيلا ً.
واذا فقس البزر يطعم من ورق التوت ويربى بخبرة واعتناء ان
كان من جهة الحرارة والتهوية او النظافة او تقديم الغذاء
او نوعيته. والنظافة تقتضي ان تنزع من تحته نفاياته كما
انه يلزم التحاشي من تقديم الورق الرطب للدود. وهكذا يحصل
المربون على موسم جيد اللهم اذا كان الدود خاليا ً من
المرض وموقيا ً من العدوى.
علل دود القز: وأهم امراض القز هو " الداء البهاري"
(Pébrine) او الفلفلي ويدعونه "محروق" ويعتري البزر علل
اخرى كالقرن الاحمر والذبلان والقياح Muscardino,
Flacherie, Grasserie فالمحروق علة ارثية ومعدية وعلامتها
بقع سوداء غاية في الدقة منتشرة انتشارا ً سريعا ً وتقتل
الدودة قبل صعودها الى الشيخ اذا نتجت عن فراش مصاب بتلك
العدوى او أصيبت في بدء التربية. اما اذا اصابها الداء بعد
الفطرة الرابعة فتعيش وتشرنق. فالدود المريض ترى على جسمه
بقع على شبه البهار ولذلك دعي الداء بالداء البهاري وهذه
الجراثيم المعدية تفنى في سنتها وانما تتوارث بواسطة البزر
او البيض الناتج من الفراش المصاب بها ومن هذا ترى اهمية
وعظم شأن انتخاب البزر والفحص الافرادي بالمجهر على طريقة
باستور.
القرن الاحمر: هو علة قديمة العهد في سورية وتعرف فيها
باسماء مختلفة لان منهم من يسميها علة القرن الابيض وغيرهم
علة الحرطوق والبعض علة سكردينو تعريب المسكردين
(Muscardine) ولم يكن احد في هذه البلاد قبل السنوات
الاخيرة ليخاف منها شرا ً بل كانوا يعدون ظهورها كعلامة
الاقبال ويطمرون الدود المصاب بها في وسط الاطباق. فلما
تكرر منهم هذا العمل سنوات كثيرة بظروف واحوال مساعدة على
سرعة انتشار العدوى اصبح من اقوى العوامل على سريان المرض
واشتداد فتكه في الجبال وفي الساحل. وقد بلغ تفشيه مبلغا ً
عظيما ً فلم تقتصر الخسارة على نقصان في وزن الشرانق بل
اتلفت هذه الافة الهائلة اخصاصا ً برمتها.
ان علة القرن الاحمر تتأتى عن تولد نبات حلمي او فطري في
الدودة او في الزيز يسمى بوتريتيس باسيانا (Botrytis
Bassiana) نسبة الى الاستاذ باسي الذي هو اول من اثبت
ماهيته ووصف اضراره سنة 1735 فدوده القز متى أصيبت بعلة
القرن الاحمر تحفظ ظواهر الصحة حتى قبل ان تموت ببضع ساعات
ثم تصير رخوة ً ثم تتمدد مستطيلة على الجزاز (الجزة) دون
ان تأتي بحركة وبعد مرور 10 ساعات او خمس عشرة ساعة على
موتها يصير جسمها جاسيا ً سريع الانكسار متهيئا ً بهيئة ما
لصق به ويعلوه وقتئذ لون وردي خفيف وبعد مرور اربع وعشرين
ساعة تتكون عليه من كل جهاته غبرة الى البياض. واذا تمكنت
الدودة المصابة من غزل شرنقتها فلا تلبث ان تموت في داخلها
بعد ان تنطوي على نفسها (تكرنش) وتتصلب وتجسو حتى ترن في
الشرنقة كانها حصاة. وهذا المرض يصيبها في كمل اطوارها الا
انه يصيبها عادة ً في بدء الصومة الرابعة فاذا ظهر فيها
قبل هذا الطور فالاحسن ترك تربية الموسم لان الدود الذي
يتوصل الى صنع فيالجه يكون قليلا ً ولك ان تتأكد حينئذ ان
البيت الذي تربي فيه موسمك هو موبوء بما ان العلة المذكورة
لا تتولد مطلقا ً في امكنة لم يسبق فيها ظهورها. الا انها
علة معدية الى حد فائق ويتفشى الداء بانتشار الجراثيم
الفطرية لكن الدودة المصابة بالقرن الاحمر لا يخشى منها
عدوى رفيقاتها الا متى ابيضت جثتها وما ذاك البياض الا
نباتات فطرية تفسح مجالا ً الى جراثيم شبيهة بالتي كانت
بدءا ً سبب المرض. وبين انتشار الجراثيم وموت الدود عشرة
ايام بوجه الاجمال. وعليه فاذا كان الدود يصعد الى الشيخ
قبل هذه المدة فانه ينسج شرنقته ولكن الشرنقة تكون اخف من
وزنها المعتاد. والنسبة بين الشرانق المصابة بالقرن الاحمر
والشرانق السليمة نسبة واحد الى ثلاثة. ومما يجب ملاحظته
ان الشرانق المصابة بالقرن الاحمر تخرج منها عند التسليك
بسبب خفتها كمية كثيرة من السواقط. ثم ان هذه الجراثيم
الفطرية تعدي ايضا ً بالتلقيح فتموت الدودة وقتئذ بعد
ثلاثة او اربعة ايام. واعلم ان القرن الاحمر داء عياء لا
يقبل الشفاء لكنه يوجد لحسن الحظ علاج واق منه بكل تاكيد
وهو التبخير بالحامض الكبريتي الذي من خاصيته ان يقتل
جراثيم هذا الداء وفروعه.
القياح والذبلان: تعللهما تأثيرات الطوارىء الجوية
التي تحصل وقت تربية القز وعدم احسان التربية اي اهمال
تهوية المحلات او الحرارة الرطبة او الهواء الشرقي. وكذلك
ازدحام الدود على بعضه. وهذه الاسباب تساعد على فشو
الذبلان الذي يتأتى من اختمار او فساد يحصل في جسم الدودة
من جراء جراثيم تنمو بوفرة في امعاء الدودة ومن آلية دقيقة
تعد كاختمار محض شبهه على شبه حبوب سبحة. وهذه العلة هي
ارثية وفاشية فيعدي الدود بعضه بعضا ً. ولاحظوا ان البزر
المتأتي عن امهات عاشت في وسط اعتراه الذبلان يكون اكثر
قابلية لهذا المرض واقل مناعة ازاء التقلبات الجوية
والتربية المخلة. ولهذا يجب ان لا يكتفى بفحص الفراش
الافرادي للحصول على بزر جيد بل ان يصير ملاحظة الدود قبل
طلوعه على الشيح وانتخاب ما كان سالما ً منه وقويا ً وهكذا
يفعل المبزرون اتباعا ً لراي باستور الشهير.
طرق الوقاية من علل دود القز: وللوقاية من هذه
العلل يشير ارباب العلم بان يحسن المربون تهوية محلات
التربية والنظافة وغذاء الدود ومن اقوى الوسائط الواقية
وانفعها لا سيما ازاء القرن الاحمر كما ذكرنا هو التطهير
بالكبيريت. وكيفية استعمال الكبريت ان يحرق على مدة 24
ساعة في محلات التربية بعد ان يصير سد نوافذها سدا ً محكما
ً كيلوغرامان او ثلاثة كيلوغرامات من الكبريت المسحوق مع
مئتين الى ثلاثمائة غرام من البورق تسهيلا ً للالتهاب وذلك
لكل مئتي متر مكعب من الهواء. اما اذا كان الدود يربى في
الاخصاص فالواجب اجراء مثل هذا التبخير لآلات القز بعد
وضعها في محل مقفل. فاذا شوهد مع ذلك اثناء التربية دود
أصيب بالقرن الاحمر فيجب كل يوم اثر الفطرة بعد ان يقش من
تحت الدود ان يحرق 25 الى 30 غراما ً من الكبريت المسحوق
مع غرامين او ثلاثة من البورق وذلك لكل مساحة مئة متر مكعب
ويجب الكف عن احراق الكبريت متى بدأ الدود يغزل شرنقته لان
الحامض الكبريتي يؤثر في الشرانق فيغير جنسية الحرير.
ويمكن كذلك التبخير بالفورمول او بالكلور. ولك ايضا ً ان
تستعمل دخان الحطب الاخضر فان الدود لا يتأذى مطلقا ً من
هذه الامور. على ان استعمال الكبريت على الوجه المتقدم
ذكره يجعل الدود بمنجاة من القرن الاحمر كما انه يبعد عنه
مرض الذبول في اكثر الاحيان. ومن وسائط التطهير ايضا ً ان
تغسل ادوات التربية في ماء الكلس الممزوج بسولفات النحاس
(الشبة) او في مزيج الفورمول (Formol): فتضيف ليترين او
ثلاثة ليترات من الفورمول لكل مئة ليتر من الماء. ويسهل
ذلك اذا بني في المزارع برك طولها طول ادوات القز من اعمدة
وركائز "وسبابيح وعبابير وبواتير" وعرضها وعمقها بحسب
الحاجة فيذوبون فيها من المزيج المراد استعماله وينقعون
فيها الادوات. اما المآوي التي يربى فيها القز فيصير طليها
بذاك المزيج. وحيث اصبحت الآن طرق العربات منتشرة في اكثر
نواحي الجبل فلابأس من استعمال احواض سيارة اي نوع من
تافاكونات تعرج في طريقها على القرى فتوضع فيها آلات القز
وتتطهر تباعا ً فكل مرب يطهر ادواته بعد الآخر فيكون ذلك
اوفر واسهل. ويمكن ايضا ً ان توضع في الفاكونات مضخات مع
انابيب محركة فعند وصول الفاكونة بالقرب من البيت المعد
لتربية القز تحرك المضخة ويداررش قساطلها نحو داخل البيت
فيصير تطهير الحيطان والسقف بالمادة المطهرة الموجودة في
الفغاكونة وتستعمل مثل هذه الاحواض النقالة ومثل هذه
المضخات والمرشات لغايات شتى منها المضخات لاطفاء الحريق
ومنها لدفع المواد المطهرة المضادة للامراض السارية ومنها
طلمبات جذابات تستنشق الغبار من داخل البيوت ومفروشاتها
فلا بأس من استعمال مثلها للغاية التي نتوخاها مع اعطاء
الاحواض حجما ً كافيا ً لبل الادوات التي توضع فيها.
فباستعمال الوسائط المتقدم ذكرها وتعميمها في الجبل كما
عرضنا ذلك لحكومة لبنان منذ السنة 1895 يحصل المربون على
غلة اوفر واجود جنسا ً وذلك بنفقات زهيدة سواء كان من جهة
مقطوعية الشرانق او من جهة نعومة الحرير بينما ترى معدل
المحصول الحاضر لا يتجاوز في لبنان 17 اقة لكل علبة من
البزر (25 غراما ً). ومهما بالغوا بالاعتناء يصعب الجزم
بامكان حصول نتيجة مرضية دائمة في السواحل اذ لا يستطيع
المربون اللبنانيون ان يتحكموا في احوال الجو من حرارة
ورطوبة وريح شرقية اوان التربية ولهذا فلا بد ان تخف تربية
القز في سواحل لبنان حتى في اعالي السواحل ايضا ً الا في
الاراضي القاحلة منها وتستبدل تباعا ً بمزروعات اخرى اربح
وآمن وذلك متى تيسر جعل هذه الاراضي مسقية بجلب المياه
اليها. وتترك بعض اشجار التوت حوالي البساتين فيربى عليه
مواسم جزئية متفرقة. اما في المنطقة الوسطى من الجبل وما
فوقها فتبقى زراعة التوت معززة. ورغما ً عن تناقص هذه
الزراعة يمكن ابقاء محصول الشرانق على حاله بل مع زيادته
اذا أحسنت زراعة التوت ومعاملته وأعتني باستعمال البزر
الجيد وحفظه وتفقيسه حسبما ترشد اليه الاختبارات المتتابعة
المؤيدة بالعلم واذ تعممت اساليب تربية الدود الراقية.
وعلى كل حال يعد موسم القز من المواسم المهمة في سوريا بل
اهم موسم في لبنان لان كمية البزر المربى في سورية عموما ً
من اسكندرونة الى صور تبلغ 230000 الى 250000 علبة يورد
معظمها الى بيروت ويشتى في الجبل. وتقسم هذه الكمية كما
يلي: 200000 علبة من البزر الفرنساوي "فار وكورسيكا" و
10000 الى 20000 علبة تبزير الجبل و 150000 ال 20000 علبة
وارد بروسه و 5000 ال 10000 علبة وارد ايطاليا. اما الكمية
التي تبرز في باقي سورية فلا تستحق الذكر.
ويعدلون محصول الشرانق السنوي في سورية باربعة ملايين ونصف
اقة. وليس لدينا احصاءات رسمية يرجع اليها لتحديد ما يلحق
لبنان من هذه الكمية لكن اذا سلمنا ان محصول ساحل بيروت
وسواحل سورية يبلغ 32% الى 35% ومحصول الوسط "وسوط لبنان
وسهل البقاع" يبلغ 53% الى 55% و محصول اعالي لبنان من 10
الى 15 % فيمكنا تعديل محصول الجبال من 65 الى 70 % من
محصول سورية الاجماعي. ومعظم محصول سورية يحلل في معامل
لبنان.
ان كمية الحرير (Soie Grège) التي تصدر سنويا ً من سورية
تبلغ 2600 بالة تقريبا ً تحوي كل بالة 100 كيلو ويصدر ايضا
ً شرانق ناشفة 400000 اقة 60000 اقة مشاقة و45000 الى
50000 اقة من نفايات الشرانق والحل الاخرى وهذه الصادرات
ترسل عن طريق بيروت و طرابلس وقسم عن طريق اسكندرونة
ومرسينا. وما تبقى من الموسم يستعمل في البلاد للصناعة
الوطنية.
وفي الختام نكرر ما قلناه آنفا ً وهو ان انجع وسيلة لنجاح
تربية القز هي: 1 ً استعمال بزر جيد خال من المرض والاحسن
ان يكون هذا البزر من الحاصل بالازدواج (Grain de
croisement) فيكون اقوى ويصح اكثر من غيره في السواحل. 2 ً
تطهير المحلات وادوات التربية. 3 ً الامتناع عن تربية
كميات كبيرة من الدود في محل واحد لانه لوحظ ان الافضل
تربية كمية قليلة في محل واحد ونجاح الموسم الذي يتأتى عن
ذلك يعوض عن نقص كمية البزر. 4 ً الامتناع من استعمال بزر
جلب متأخرا ً اي بعد ان يكون تحرك الجنين داخل البيضة
والسعي بجلب البزر باكرا ً قبل فصل الشتاء وارساله حالا ً
للمشاتي وقاية ً من التقليبات الجوية من حرارة وبرودة
ورطوبة لانه يتأتى عنها ضرر عظيم للدود اذا تعرض لها البزر
بعد ان يكون لحقه شيء من البرد خصوصا ً متى كان "تحرك
البزر" اي بعد ابتداء نمو الجنين في اوائل الربيع. 5 ً
الاعتناء بتشتية البزر الحسنة بحيث يؤخذ البزر تدريجا ً
لتفقيسه ولا يتم ذلك الا متى أنشىء محلات مجهزة لتشتية
البزر حاوية على الشروط اللازمة. 6 ً مداركة تفقيس البزر
وضبط درجات الحرارة فينقف هكذا البزر متساويا ً ويا حبذا
لو استعملت لتفقيس البزر وضبط درجات الحرارة فينقف هكذا
البزر متساويا ً ويا حبذا لو استعملت لتفقيس البزر
المدافىء المصطلح عليها الآن في اوروبا واشهرها وابسطها
معا ً ما يسمونه (Le Castelet) الذي استحضرت منه مثالا ً
ادارة الزراعة في لبنان. ولألبرت أفندي نقاش مفتش النافعة
والزراعة في لبنان سابقا ً شرح واف في ذلك وسرنا ما اطلعنا
عليه مؤخرا ً في نشرته المطبوعة سنة 1915 من الافادات
المختصة بزراعة التوت وتوابعها والنصائح الائلة الى تحسين
هذه الزراعة. 7 ً يلزم نظافة كلية في محلات تربية القز
والقش من تحت الدود من وقت الى اخر ويكون ذلك بتأن دون نفض
الغبار واحسن طريقة لذلك استعمال الورق المثقوب كما هي
العادة في الخارج او استعمال الشبكات ودونك كيفية استعمال
الورق المذكور فانهم يمدون على الرف (الطاولة) طلحية ورق
ذات ثقوب مناسبة سعتها لكبر الدود او شبكة واسعة الزرد
يلقون عليها ورق التوت فينتقل حالا ً الدود مجتازا ً في
الثقوب الى طعامه. فحينما ينتقل الدود يرفع الورق المثقوب
او الشبك ويعلق على ركائز موضوعة في جوانب الطاولة فيسهل
بذلك تنظيفها بنزع الورقة الباقي عليها نفاية الدود ثم
يعتاضونها بورق نظيف ويبسطون فوقه الورق المثقوب او
الشبكة. وعليه لا بد من وضع ورقة سلفا ً على الطاولة.
ويجوز استبدال هذه الورقة ببواتير يمكن نقلها بسهولة؟ 8 ً
التعجيل بالتربية وتقصير ايامها باعطاء الدود عفات متعددة.
التبغ: ان التبغ من المحاصيل المهمة في السلطنة
العثمانية اذ يبلغ محصوله السنوي لا اقل من ستين الف طن
يتصدر منه اثنا عشر الف طن تقريبا ً الى البلاد الخارجية
اما الوارد منه الى البلاد العثمانية سواء كان للتدخين او
المضغ او السعوط فلا يتجاوز 490000 كيلوغرام. كانت زراعة
التبغ سابقا ً كثيرة الانتشار في جبل لبنان حتى ان غلته
كانت تعد اوفر غلة بعد غلة الحرير وشهرة التبغ الريحاني
والجبيلي والكوراني خاصة ً كانت عمومية والمصدر منه الى
الخارج ولا سيما الى بلاد مصر كان يبلغ كمية وافرة.
ويقدرون محصول هذا النصف في اواسط القرن الماضي بثلاثمائة
الف اقة تقريبا ً وقدر بعضهم محصوله في ذاك الوقت في عموم
سورية بمليون وخمسين الف اقة. لكن عندما تشكلت شركة حصر
التبغ سنة 1883 اخذت زراعة التبغ اللبناني بالتناقص عاما ً
فعاما ً الى انها كادت تنقرض من جراء ما اصابها من التقهقر
والهبوط في اسواق مصر من مزاحمة التبغ الاسلامبولي فضلا ً
عما اعتراها من الكساد في سوق البلاد حتى نفس الجبل حيث
اعتاد المدخنون استعمال الدخان المستورد من الريجي. الا ان
كزارعينا في السنين الاخيرة انتبهوا الى الارباح التي
يمكنهم كسبها من العود الى زراعة هذا الصنف مع مراعاة ذوق
اصحاب التدخين فاستحصلوا بزرا ً من اصناف التبغ الاجنبي
(الاسلامبولي) واخذوا يزرعونها بكثرة فاتت بنتيجة حسنة
يمكن زيادة تحسينها اضعافا باعطاء هذه الاصناف ما تتطلبه
من المعاملة الخصوصية في طرق زراعتها واستحضارها.
اما التبغ الوطني فبقيت زراعته جارية في شمالي لبنان ويصدر
منه كمية لا تقل عن العشرين الف اقة الى بلاد مصر فيعرف
فيها بالكوراني لكون اعظم واردات هذا الصنف كانت تستغل
سابقا ً من تلك الجهة وهو مرغوب في بعض نواحي مصر لموافقته
للحشيش كما يقولون اذ انه بسرعة اشتعاله وتطاير شراره يسهل
اشعال الحشيش الممزوج به.
ويقدرون التبغ حاليا ً بمائتين وخمسين الف اقة من الجنس
الوطني والجنس الاسلامبولي يصدر منها الى خارج لبنان ما
عدا العشرين الف اقة السابق ذكرها نحو خمسة وعشرين الف اقة
تصدر لجهات مختلفة الى مصر والمانيا وانكلترا والجمهورية
الفضية. وما بقي يستعمل للمقطوعة الداخلية. فاذا استندنا
الى احصاآت شركة الريجي في منطقتها المجاورة لبنان وعدلنا
محصول الدونم باربعين كيلوغراما ً من التبغ تبلغ مساحة
الاراضي المزروعة تبغا ً في لبنان نحو 25000 دونم. ولا شك
انه لو اقتصر على زرع الاراضي المناسبة لهذه الزراعة وهي
موجودة بكثرة واختير اطايب البزر التركي المعول عليه الآن
في وطنه الأصلي وقام بمعاطاة زراعة هذا النبات وخدمته من
قطف وتخمير وتنشيف اشخاص خبيرون بهذه المهنة لبلغت منافع
لبنان من ذلك درجة تذكر بين ارباحه الاخرى. هذا اذا
افترضنا ان استعمال الدخان الحاصل يبقى محصورا ً في الجبل
اذ انه لا يخفى ان الوارد السنوي الى الجبل من الدخان لا
يقل عن مائتين الى مائتين وخمسين الف اقة فما اعظم الربح
لو اعتبرنا الكميات الوافرة التي يمكن تصديرها الى مصر
والى بلاد اخرى عندما تصبح زراعة التبغ الاسلامبولي اكثر
انتشارا ً ومعالجة النبات اوفر خبرة ً. وهاك امامنا نتيجة
زرع التبغ في جزر البحر المتوسط كساموس مثلاً وفي مقدونيا
حيث تجد في المدن والقرى عددا ً لا يحصى من العملة يشتغلون
بزراعته وجمعه ومعالجته وبيعه ويعدلون ان المشتغلين بهذا
الصنف في مدينة كافالا وحدها يبلغ عددهم خمسة عشر الفا ً.
ويليق ان ندون هنا خلاصة الفحص الذي اجراه حضرة الاجزائي
البارع يوسف افندي الجميل في مختبر مدرسة الطب الكيماوي
ببيروت اذ بين ان التبغ اللبناني باصنافه حاصل على مزية
كبيرة وفضل عظيم على سواه بخصوص قلة المادة السامة
النيكوتين المحتوي عليها. بيد ان التبغ التركي يفوق
اللبناني برائحته الزكية التي يعتبرها اصحاب التدخين اي
اعتبار فاذا صار تعميم زراعة الدخان الاجنبي يحصل على مزية
التبغين ولو سمح للبنان بادخال بعض اصناف التبغ للمزج الذي
لا بد منه لراج الدخان اللبناني في اسواق المهجر اي رواج.
التنباك: اخذوا في زرع هذا الصنف من بضع سنوات في
جنوبي لبنان خصوصا ً ولا شك انه اذا استخدم اناس خبيرون
بزراعته وبتحضيره (وهذا التحضير له المقام الاول في تجنيس
الصنف) لراجت سوقه في نفس بلادنا وفي الخارج ايضا ً وتلك
زراعة معاطاتها معتبرة لانه اذا عدلنا مقطوعية الجبل
السنوية من التنباك ب 350 الى 400 الف اقة وثمن الاقة
المتوسط 487 غرشا ً حسبما تتقاضاه ادارة التنباك يتضح
الربح الممكن جنيه منها.
قصب السكر: هو من المزروعات الصناعية المهمة لكنه
في لبنان لا يستعمل الا للمص فقط. ان السكر من لوازم
الانسان الضرورية ويزداد الناس في استعماله كلما ازدادوا
مدنية ً واكثروا من التفنن في اصطناع الحلويات. ان اصل
منبت قصبه الهند وأدخلت زراعته الى بلاد العرب ومنها
انتقلت الى بلاد مصر واوربا وقد زرعته اسبانيا عام 1490 في
ماديارا. اما في مصر فانها اصبحت الآن من المزروعات
الواسعة وأنشىء لها معامل لاستحضار السكر. ولم تزل في
سوريا زراعته محدودة ومتفرقة على الشواطىء البحرية وتجد
منه مزارع في صور وصيداء وفي لبنان في وطأ نهر الكلب خصوصا
ً وجونية ونهر ابراهيم غير ان هذه الزراعة كانت منتشرة في
سوريا وفلسطين في القرون المتوسطة وكان منها مزروعات مهمة
في وادي نهر الشريعة وما لبثت ان امتدت الى سائر الشواطىء
السورية لا سيما في اراضي صور وطرابلس. وعرف السوريون منذ
ذاك الوقت استخلاص السكر من القصب وبرع فيه خصوصا ً العمال
الصوريون وآثار معاصرهم باقية الى ايامنا فاصبح السكر من
اصناف تجارة هذا البلد المهمة واخذ عنهم اهالي صقلية
اساليب صناعتهم وهم يفضلونها على الطرائق المستعملة حينذاك
عندهم. وروى نصري خسرو انه شاهد في اثناء سياحته في بر
الشام في ابتداء القرن العاشر بين مزروعات جنائن وبساتين
ضواحي صيداء وجبيل وطرابلس قصب السكر وصادف مروره اوان
موسمه فكانوا في طرابلس يجنون منه سكرا ً يستحضرونه في
معاصرها. وكيفية زراعته انهم يكسرون (يقلبون) الارض جيدا ً
ويسودونها قبل زرعه فيعطي غلة حسنة واذا اهتم بجمع الممتص
ودفنه في الارض قبل جفافه تستغني به الارض عن كل سماد. ومن
السماد المستحسن لهذا الزرع الرماد وعظام الحيوانات لان
هذه المواد مع السماد الاخضر اعني المصاص تحتوي على قدر من
النشادر وسيليكات البوتاسا والفوسفات وهي من العناصر التي
يتطلبها قصب السكر اذ يحتوي عليها بكثرة. ولا اظن ان هذه
الزراعة تتجاوز كثيرا ً الحد الذي وصلت اليه في شواطىء
لبنان بحيث تستلزم تجهيز معامل عصرها سكرا ً مبلورا ً.
النباتات العطرية: ان النباتات العطرية كثيرة
الوجود في لبنان وسائر بلاد الشرق ومن قديم الزمان كانوا
يزرعون بعضا ً منها سواء كان لحسن منظرها او لذكاء رائحتها
او لاستخلاص الزيوت العطرية الطيارة منها. وزادت زراعة هذه
النباتات في السنين الاخيرة عندما أنشئت معامل استخراج
العطور. اما اهم هذه الاجناس المزروعة في منطقة لبنان فهي
اجناس الليمون التي فضلا ً عن ثمرها تفيد بما يستخلص من
زهرها من الزيت العطري. ثم الورد والبنفسج والزنبق والسوسن
والقرنفل والنعنع والجرانيوم واليانسون والشمرة والياسمين
والنرجس والصعتر والخلندرة والخزام والمنثور واليابونج
وشجر العنبر (Acacia Farnesiana) يستخدمونها عادة في
السياجات في الساحل. وغير ذلك من النباتات.
النباتات الصبغية والدبغية: وهي كثيرة ايضا ً يزرع
بعضها كالحناء واصلها من مصر تستعمل لصبغ الشعر والاظافر
وشعر الخيل فتلونها بلون نارنجي. ثم الفوة لاستخلاص اللون
الاحمر القانىء من جذورها انما زراعة هذا النبات اندثرت من
لبنان. ثم البربريس. يعمل من جذور هذا النبات البري صبغ
اصفر. اما المواد الدباغية فيستخلصونها من اشجار شتى اهلية
كالعفص والسماق والرمان الخ.
النباتات الطبية: منها في سوريا اجناس عديدة
كالخشخاش وعرق السوس والخروع والراوند والقنطاريون
والخردل. وفي لبنان تجد خاصة المحمودة والغار والريباس
والصعتر والبنج (Jusquiame) ويزرعون النعنع والخطمية
والحنظل. وأدخل حديثا ً الى حديقة مدرسة الطب بالقرب من
حرج بيروت بعناية حضرة مديرها الاب بولوموا اليسوعي انواع
شتى كشجر الكينا وانواع من الخطمية وخلافها.