أشجار عدة كانت موضع عبادة لدى الأقدمين، ومع ذلك لم
تصبح أية منها، يوما ً، كالأرزة رمزا ً لشعب وأمة.
فهذه الهالة من الاجلال والاكبار، التي يكنها اللبناني
في أعماق وجدانه للأرزة، ويرفعها راية مقدسة، يبذل
فداءها الروح والدماء، حملنا على اعداد هذا الدليل عن
احدى مواطن الأرز الكبرى "محمية غابة أرز تنورين
الطبيعية" والتي تتواصل مع محيط عامر بمناطق تحفل
بالمواقع الطبيعية والآثار التاريخية التي بقيت شواهد
على مر العصور تخبر عن روعة وجمال لبنان.
وتعريف السائح والزائر هذه المعالم النادرة هي رسالة
سعت الى تحقيقها لجنة تأليف الدليل. "فمحمية غابة أرز
تنورين الطبيعية" هي بكثافتها وتنوعها الاحيائي وعدد
أشجارها، احدى أهم بقايا غابات الأرز التي كانت تكسو
الجبل الأبيض، لبنان، ما أعطاها دورا ً مميزا ً على
الصعيد الوطني.
وزادنا رغبة في انجاز هذا العمل، ما أوردته احصاءات
وزارة السياحة، على أن تنورين تتمتع بثلاثين معلما ً
أثريا ً وخمسة معالم طبيعية، ما يمنحها دورا ً فريدا ً
في السياحة البيئية، وما يجعلها في المرتبة الثانية
بين مناطق لبنان التي تزخر بمثل هذا العدد من المعالم
الفاتنة.
وتبقى كلمة شكر وتقدير "للصندوق الفرنسي للبيئة
العالمية الذي قدم تمويل طباعة هذا الدليل عبر "وكالة
التنمية الفرنسية" من خلال مشروع" دعم المحميات
الطبيعية في لبنان".
محمية غابة أرز تنورين الطبيعية
أعطى الأقدمون بعض الأشجار هالة من الاجلال. الكتب
المقدسة، والعديد من الكتابات القديمة أوردت ذكر الأرز
وقد أحاطته بالتمجيد والاكبار.
ونحن اللبنانيين، نرى في الأرزة رمز عزتنا وكرامتنا.
فهي الراية التي تجمع بيننا ونفديها بالروح والدماء.
والأرزة كانت وتبقى في قلب ووجدان كل لبناني، مصدر
الهام لعطائنا، فكرا ً فنا ً وابداعا ً، ومحورا ً
لمسيرتنا الحضارية.
والطبيعة أم، وفي أحضان الأم نجد الهناءة والسلام.
وهذا الشعور يخالج بقوة كل من زار محمية أرز تنورين،
الموقع الطبيعي، الذي يعتبر من بين أهم المواقع
السياحية في لبنان، والذي يحضن رمز لبنان وفخره، شجر
الأرز الخالد.
موقع المحمية والوصول اليها
تبعد محمية أرز تنورين عن مدينة تنورين حوالى تسعة
كيلومترات (9كلم). تقع في منطقة نادرة الجمال، فوق
هضاب وجبال: الحريصا- الصليب- الفوار- رأس بنيا؛ تفصلها عن
العاصمة بيروت مسافة تسعين كيلومترا ً (90 كلم) تقريبا
ً، ويمكن الوصول اليها من مختلف المناطق اللبنانية:
-من جبيل عبر عنايا، مفرق
اهمج، اللقلوق، تنورين، وصولا ً الى الحريصا فغابة أرز
تنورين.
-
من البترون عبر عبرين، بجدرفل، صورات، حلتا، كفرحلدا،
بيت شلالا، تنورين، الحريصا، فغابة أرز تنورين.
-من البترون عبر عبرين، بجدرفل،
صورات، حلتا، كفرحلدا، بيت شلالا، تنورين، الحريصا،
فغابة أرز تنورين.
-
من شكا يمكن للسائح أن يأخذ:
.
طريق أميون، بزيزا، دير بلا، كفر حلدا، بيت شلالا،
تنورين، الحريصا، فغابة أرز تنورين.
.
أو طريق أميون، كسبا، حدث الجبة، غابة أرز تنورين.
-
من طرابلس، يأخذ السائح طريق شكا، ومن ثم يتجه الى
أميون، كسبا، حدث الجبة، ومنها الى غابة أرز تنورين.
أو
-
طرابلس، ضهر العين، أميون، ومنها:
.
الى كسبا، حدث الجبة، غابة أرز تنورين.
.
أو الى بزيزا، بساتين العصي، كفر حلدا، بيت شلالا،
تنورين، غابة أرز تنورين.
-
من بشري، يأخذ السائح طريق حصرون، حدث الجبة، ومنها
الى غابة أرز تنورين.
-
من العاقورة، يأخذ السائح طريق اللقلوق، بلعا، شاتين،
تنورين، الحريصا، فغابة أرز تنورين.
محمية أرز تنورين: خصائص ومميزات
مجموعة من الخصائص تتمتع بها محمية أرز تنورين لتعطيها
الفرادة في العديد من النواحي:
فالمحمية تشكل غابة كثيفة تزخر بأعداد كبيرة من شجر
الأرز، وتمتد على مساحة هامة تبلغ حوالي مئتي
هكتار/200/. وهي بقية من الغابة الكبرى التي كانت تغطي
قسما ً هاما ً من جبال لبنان، والتي زالت بمعظمها من
أرضنا، وذلك عائد الى رغبة الشعوب القديمة في الحصول
على خشب الأرز لجودته، وأهميته. فسعت جاهدة مع قدامى
اللبنانيين لاقتناء هذه السلعة النادرة؛ من هذه
الشعوب: الفراعنة، الفرس، الاغريق والرومان، الذين
تفاخروا في بناء وتزيين قصورهم وهياكلهم من خشب الأرز.
ومن يزور أرز تنورين، يرتاح لرؤية لوحة مذهلة لغابة
شكلت بساطا ً أخضر، يغطي مجموعة تلال، قمم ووهاد، شاخ
الزمان وبقيت على شبابها تجابه أحداث الدهر عالية
الجبين. وبعض هذه الأشجار بلغت من الاعتداد بالنفس،
أنها تحدت قانون الجاذبية، فنمت على منحدرات شبه
عامودية.
ومحمية أرز تنورين، تعد من أهم غابات الأرز في لبنان،
اذ يزيد عدد أشجارها على مليون وخمسماية ألف شجرة
/000. 00 5. 1/؛ وتتوحد مع غابات أرز حدث الجبة (أرز
البلاد)، قنات، نيحا، كفور العربة، لتكون غابة كبرى
يتجاوز عددها اربعة ملايين أرزة /000. 000 .4/، أي
حوالى ربع ما تبقى من أشجار الأرز في لبنان، تمتد على
مساحة ستماية وعشرين /620/ هكتارا ً.
وهذه الغابة تنمو على علو يتراوح بين 1400م و 1850م؛
وأشجارها من أقدم أنواع الأرز اذ تعود الى نفس الغابة
التي كانت تكسو جبال لبنان زمن الفينيقيين. ونوع أرز
تنورين يسمى Cedrus Libaniوهو الأجمل والأنبل بين الأنواع
الأربعة الأخرى الموجودة من الأرز في العالم. وبعض
أشجارها يتعالى ليبلغ حوالى ثلاثين مترا ً؛ أما جذوعها
فمستقيمة وتتفاوت ضخامة ً بتفاوت أعمارها، فيبلغ محيط
بعضها بين 6 و7 أمتار، وترتفع هذه الأشجار بشكل هرمي
يكسبها ظلالا ً وارفة.
ممرات الغابة
محمية أرز تنورين تعتبر من أكثر غابات الأرز في لبنان
كثافة وتنوعا ً، تتخللها تلال، قمم ووهاد، أخاديد
صخرية وكهوف طبيعية؛ تتفجر في سفحها وأوديتها مجموعة
من الينابيع العذبة، لتغدو ملتقى الطيور والحيوانات
التي تمرح هانئة في أجوائها وفيافيها.
وبهدف تسهيل حركة المشي في الغابة، دون المساس بالحياة
البرية، أقامت لجنة المحمية بالتعاون مع قيادة الجيش
والبلديات المتعاقبة، والمؤسسات المانحة، شبكة ممرات
في الغابة، تتصل ببعضها، ليتسنى للسائح أن يزور مختلف
أرجائها:
*
الممر الأول: يأخذ الزائر باتجاه منطقة الفوار، ويسلكه
مشاة "درب الجبل اللبناني، تتفرع منه "درب المحابس"
التي تسلك طريق الفوار، عين الراحة، تنورين التحتا
(طلعة الفرس)، كفور العربة، نيحا، حردين. وعلى امتداد
هذه الدرب، نرى المحابس المعلقة في الصخور الشاهقة،
كأنها وكنات النسور، بين السماء والأرض، ونسمع ترجيع
الأجراس، وصدى الصلوات تتردد من الكنائس والأديار
المنتشرة في هذه الربوع الحالمة.
*
الممر الثاني: يعبر الزائر في هذا الممر الغابة، صعودا
ً الى منطقة رأس الوادي، وهي منطقة مرتفعة جدا ً، منها
يمكن التمتع بمنظر وادي عين الراحة الخلاب.
*
الممر الثالث: يبدأ من مدخل الغابة، وهو ممر سهل يمتاز
بجمال أشجاره وقدمها، يؤدي في منتصفه الى الممر
الرابع.
*
الممر الرابع: ممر دائري يغطي معظم غابة تنورين، يحفل
بأقدم أشجار الأرز في لبنان، منه يمكن العبور الى وادي
الفوار ومنطقة رأس الوادي.
الغابة والحياة البرية
تضج الغابة، دوما ً وعلى مدار السنة، بالحياة
المتنوعة، فنشاهد:
*
خلال الربيع: الزهور وقد كست أرض الغابة ببساط من
الألوان والحيوية؛ الفراشات الزاهية تتهادى بين الورود
والرياحين، على شدو الطيور المغردة.
*
خلال الصيف: الأشجار، وقد تفتقت براعمها ثمارا ً برية،
تسرح في ظلالها أنواع عديدة من حيوانات الغابة باحثة
عن الاستمرار.
*
خلال الخريف: نتمتع بالألوان المتحولة لبعض الأشجار
التي تتعرى من أوراقها خلال هذا الفصل، ويمتلكنا شعور
غامض بالحنين لرؤية الطيور تهاجر في طريقها الى
البعيد.
*
خلال الشتاء: نرتعش مع عواصف الثلوج وأعاصير الرياح
التي تضرب الغابة، ولكن "يا أرز ما يهزك ريح".
مكونات غابة الأرز
حبا الله غابة أرز تنورين بغنى جعلها تزخر بكافة
مكونات الحياة البرية. فالطبيعة تعج بمختلف أنواع
الحياة النباتية و الحيوانية، من أهمها:
أ. على صعيد الأشجار
في
الغابة ما يزيد على عشرين نوعا ً (20) من الأشجار، في
طليعتها:
الأرز: تشكل أشجار الأرز في الغابة الكبرى ربع شجر
الأرز المتبقي في لبنان، ما يجعل هذه الغابة ذات أهمية
على الصعيد الوطني.
الأشجار المتنوعة: يضاف الى وجود الأرز الكثيف في
الغابة، أشجار العفص، اللزاب، العرعر، القيقب، الملول،
الخوخ البري، التفاح البري، الاجاص، الزعرور
والسنديان...
ب. على صعيد النباتات:
تتمايز المحمية بأنواع من النباتات الفريدة، يتخطى
عددها خمسماية (500) نوع، منها: النرجس، البنفسج،
قنصور كليكيا، القابضة الشوكية، خزامى الجبل؛ أما
الفطر فهو أكثر من سبعة وثمانين (87) نوعا ً (بنوعيه
الصالح للأكل والسام).
ج. على صعيد الحيوانات:
يعيش في المحمية ستة عشر (16) نوعا ً من الثديات،
منها: القنفذ، فأر الحقول، الذئب، القط البري، الضبع
المخطط، الأرنب، الغرير، ابن عرس، السنجاب، وبخاصة
الثعلب والخنزير البري.
د. على صعيد الطيور:
اعتبر المجلس العالمي للطيور محمية أرز تنورين منطقة
هامة للطير، ومنحها هذا التصنيف المميز خلال عام 2006؛
وقد تم احصاء ثمانين (80) نوعا ً من الطيور المهاجرة
والمعششة، منها: الحجل، ابو الحن، ابو بليق، الزريقة،
التيان، الدوري، العوسق، الدعويقة، الحسون، القرقف
الأزرق، الصرد المحمر الظهر، البلبل، الحمام البري،
الشحرور، دجاجة الأرض، الصقر...
ه. على صعيد الحشرات:
تحوي محمية غابة الأرز تنورين أكثر من ألف /1000/ نوع
من الحشرات، بينها فراشات الليل والنهار، الفراشات
الحمراء المصفرة، الفراشات المرقشة، وحشرات غمدية
الأجنحة كالخنافس والسوسيات، وبخاصة الحشرة التي شكلت
خطرا ً على الغابة، وقد سميت "سيفالسيا تنوريننسيس"
نسبة الى اكتشافها في غابة أرز تنورين.
الغاية من انشاء المحمية
تركز الاهتمام خلال المنتصف الثاني من القرن العشرين
على حماية أنواع النباتات والحيوانات المهددة،
والابقاء على موائلها في مناطق معينة من لبنان.
فحفاظا ً على الثروات الطبيعية، وحماية للحياة البرية،
أنشئت محمية أرز تنورين، وذلك بموجب القانون رقم 9
تاريخ 25 شباط 1999، علما ً أن هذا القانون يسعى، في
حسن تطبيقه، الى الموازنة بين حماية الغابة، والحفاظ
على مصالح المالكين.
أما غابة الأرز الكبرى، فتضم بلديات: تنورين، حدث
الجبة، قنات، كفور العربة، ونيحا. تديرها لجنة تعمل
باشراف وزارة البيئة، وتتألف من 12 عضوا ً يمثلون هذه
البلديات، بالاضافة الى ممثلين عن وزارتي الزراعة
والبلديات، الجمعيات الأهلية، وخبراء في البيئة.
والغاية من انشاء محمية أرز تنورين، وكل محمية، عائد
الى حماية أنواع الحيوانات، الطيور، النباتات والحشرات
المهددة بالانقراض، وبالتالي الحفاظ على بيئاتها في
مناطق محددة. وهذا ما يساعد في الابقاء على الغنى
الاحيائي عموما ً.
ولا يغيب عن البال، أن هذه المحميات غالبا ً ما غدت
مراكز سياحية بيئية، ساهمت في تحريك العجلة الاقتصادية
من خلال السياح الذين يؤمونها، وما توفره كل محمية من
فرص عمل لسكان المحلة والمناطق المجاورة.
النشاطات التي يمكن للزائر القيام
بها داخل المحمية
تشكل الرياضة مشيا ً، ومشاهدة الأشجار، الطيور،
النباتات، الحيوانات والطبيعة، النشاطات الأساسية التي
يتمتع بها الزائر؛ يضاف اليها نشاطات متنوعة، أهمها:
*
خلال الصيف، نشاطات ثقافية وفنية في محيط المحمية
ومخيمات للكشافة ولمتابعي رصد النجوم.
*
في الشتاء، تزهر في محيط المحمية رياضة ال "Raquette"
وال"سكي دو". والموقع يعتبر مركزا ً مثاليا ً للأبحاث
يقصده الطلاب الجامعيون و الباحثون.
تسهيلات تقدمها لجنة المحمية
للسياح
أنشأت لجنة المحمية مركزا ً للاستعلامات عند مدخل
المحمية ليقوم بخدمة الزائرين، وشكلت فريقا ً من
الحراس والأدلاء لمرافقة السياح في زيارتهم الغابة،
وارشادهم داخلها، وشرح مكونات الغابة، وتزويدهم
بالمعلومات وما تتطلبه زيارتهم.
كما أنها أقامت في مدينة تنورين مركزا ً جهزته ليكون
مقرا ً لها ومكانا ً للارشاد السياحي البيئي، ولتدريب
الأدلاء والمتطوعين من أهل المنطقة على استقبال السياح
والاهتمام بهم بهدف تنشيط الحركة السياحية. وما تجدر
الاشارة اليه، أن جمعية تعاونية قد أنشئت في هذا
المركز غايتها تحويل وتسويق الانتاج المحلي، وتشغيل
اليد العاملة النسائية.
غابة أرز تنورين وعيد الرب
والأرز الذي ورد ذكره على لسان الأنبياء في التوراة
المقدسة رمزا ً للعذراء مريم في علوها ورفعتها وعطر
فضيلتها، والذي منه شيد أول هيكل في التاريخ يعلي اسم
الله، هيكل أورشليم، يحضن اليوم تقليدا ً شعبيا ً
رائعا ً، هو احياء عيد الرب في ظلاله المهيبة.
ففي مدخل الغابة فسحة سماوية كبرى تحيطها أشجار الأرز
العالية، يحتفل فيها، وبحضور جمهور غفير من المناطق
المجاورة، بالذبيحة الالهية، في عيد تجلي الرب، في 6
آب من كل سنة.
فأرز لبنان، هو وحيث كان، في كل بقعة من وطننا المفدى،
يهتف بكل جوارحه، باسم الخالق، حبا ً وتمجيدا ً: فهو
أرز الرب.
مواقع طبيعية وأثرية في محيط
المحمية
وهب الله المنطقة المحيطة بالمحمية جمالات طبيعية تأخذ
بقلب الزائر وروحه، فتبقى محفورة في وجدانه ذكريات
حلوة، ترافقه مدى الحياة، من هذه المناطق:
الحريصا
هي
احدى مناطق تنورين المتاخمة للأرز، وتعد من أخصب
الأراضي الزراعية. تتفجر فيها ينابيع عدة تغذيها ثلوج
جبل البياض المشرف عليها، فتنساب جداول وسواقي، لتصب
في وادي عين الراحة، أحد روافد نهر الجوز. ويكسو هذه
الجنة اخضرار بساتين التفاح والاجاص و"كومات" من
السنديان والصفصاف منثورة هنا وهناك، تاركة الهناءة
والسلام في نفس سكان المنطقة والوافدين الهيا.
وما يتفاخر به أبناء الحريصا وتنورين، هو وجود كنيسة
السيدة العذراء الأثرية في الحريصا؛ وعندما انتقلت
مجموعة منهم الى درعون في كسروان، أعطوا اسم الحريصا
الى المنطقة المشرفة على جونية، وبنوا كنيسة سيدة
الحريصا التي غدت، في ما بعد، سيدة لبنان، يعيد لها كل
اللبنانيين في شهر أيار. أما سيدة الحريصا قرب الأرز
فعيدها في 15 آب، يستقطب آلاف السياح من كافة أرجاء
الوطن وتقام خلاله أجمل الاحتفالات والمهرجانات، حتى
غدا مناسبة شعبية للمنطقة والجوار.
الفوار
هو
القسم الشمالي لغابة أرز تنورين، يحتوي مجموعة من أجمل
أشجار الأرز وأقدمها عمرا ً. يشكل المدخل الثاني
للغابة، وبداية لدرب المحابس.
وادي رأس بنيا
هو
امتداد من الجهة الغربية لغابة أرز تنورين، يشكل
المدخل الثالث لهذه الغابة. حافل بالمغاور التي كانت
سكنى الانسان منذ الأجيال، وبكتابات رومانية محفورة
على صخور المدخل، تعود الى عهد الامبراطور أدريان. كما
نجد في هذا الوادي الينابيع التي تتجمع مياهها لتكون
أحد روافد نهر الجوز الهامة. ورأس بنيا مؤهلة لاستقبال
الزوار، وفسحاتها الأرضية أمكنة رائعة للتخييم.
وادي عين الراحة
الى الغرب من الغابة يقع وادي عين الراحة، وهو واد
رائع في تكوينه والسكينة التي تخيم في أرجائه؛ غني
بالينابيع المتدفقة، تعمر في رحابه الكنائس، الأديار،
والمحابس التي يعود بعضها الى الحقبة ما بين القرن
الخامس والقرن الثالث عشر؛ ونذكر بخاصة دير مار
ميخائيل الذي اشتهر بلجوء بعض بطاركة قنوبين اليه،
نتيجة المضايقات التي تعرضوا لها زمن الاضطهاد؛ كنيسة
السيدة الأثرية التي يعود تاريخ بنائها الى القرن
السابع؛ وكنيسة مار جرس القديمة.
حوب
كلمة "حوبو" في السريانية، تعني الحب. وقد اشتعلت
المحبة في أرض حوب فزينت جمالها الطبيعي الفاتن ايمانا
ً انتشر في أرجائها دور عبادة لله.
* دير مار أنطونيوس حوب
دير أثري جميل ببنائه وموقعه، يشرف على وادي حوب (أحد
روافد نهر الجوز)، تلفه جنة من الأرز والصفصاف والجوز
وبساتين التفاح والاجاص والكرز. شيد عام 1798 مكان دير
سيدة العفصة القديم، الذي كان قد بني على أنقاض هيكل
وثني. وما يلفت الانتباه، على مقربة من الدير،
السنديانة الدهرية القديمة، التي يقصدها السياح،
ويستظل بفيئها العشرات.
وبقرب الدير، تناثرت المحابس، عبر الزمن، منارات روح
وهدي للمؤمنين، ومنها:
* محبسة مار جرجس:
تقع الى الجهة الشمالية من دير حوب، وسط غابة صنوبر
خلابة، عرفت العديد من النساك. وفي المدة الأخيرة،
وسعت طريق الرجل التي تربط المحبسة بالدير وبالعالم
لتسهيل وصول المؤمنين اليها.
* محبسة مار ضومط:
تقع هذه المحبسة وسط شير مار ضومط الذي يبلغ علوه مئتي
متر، وعرضه مئة وخمسين مترا ً. وقد مرت، خلال خمسينات
القرن الماضي، طريق تنورين - البترون وسط الشير، ما
سهل مشاهدة المحبسة عن قرب، وامكانية الصعود اليها عن
طريق درج حفر في الصخر.
وادي تنورين
جنة يجتاز وسطها نهر الجوز، منسابا ً بين ظلال الجوز
والحور والصنوبر. تتناثر على ضفتيه وفي السفوح، منازل
يخيم عليها الهدوء والسكينة، وتحلم على كتفه المقاهي
والمنتزهات. ويتمايز وادي تنورين بنبع عذب يتفجر كوثرا
ً محييا ً توزعه في العالم مؤسسة مياه تنورين.
تنورين التحتا
تسامر ضفتي نهر الجوز في تنورين التحتا، مقاه ومطاعم
واكبت الحداثة، بنى ً وخدمة ً، وحافظت على طابعها
الريفي الطبيعي، فيخال للزائر، أنه، مع حفيف أوراق
الحور والصفصاف وتغريد الطيور وترنيم الشلالات
والجداول، في جو سماوي أخاذ. وما يزيد هذا الموقع
جمالا ً منظر الشير الهائل المشرف على تنورين التحتا،
والمحابس التاريخية المعلقة في صخوره، ومنها:
* محبسة مار يعقوب
التي تعتبر من أهم وأكبر محابس لبنان المتواجدة في
كهوف صخرية عالية. هي أشبه بوكر نسر معلقة في الفضاء؛
وهي، في بنيتها وموقعها، تدل على أن نظام العيش في
محابس لبنان، كان عملا ً جماعيا ً، يشارك فيه أبناء
المنطقة المجاورة في خدمة الحبساء.
تنورين الفوقا
حصن مسور بالجبال والقلاع الصخرية، يرتفع فوق بعضها
الصلبان المقدسة وتمثال العذراء مريم المجيدة. لها
منفذ الى الغرب، هو واد تنمو على ضفتيه أشجار الجوز،
وتتجمع في حوضه مياه الينابيع المتفجرة والثلوج
الذائبة، لتشكل مجرى ماء دفاقا ً، هو نهر الجوز.
وقد ترك الآباء والأجداد في مدينة تنورين آثارا ً تنطق
بعظمة ما قامت به عقولهم وأيديهم، ومنها:
* كنيسة السيدة العتيقة:
يذهب الباحثون الى القول انها تعود الى ما قبل القرن
العاشر، وذلك عائد الى تاريخ رسم أيقونة السيدة
العذراء. وقد سميت السيدة العتيقة تمييزا ً لها عن
كنيسة سيدة الانتقال الأحدث عهدا ً. وأيقونة السيدة
العتيقة عرفت بتاريخها العجائبي، تكرمها تنورين
والمناطق المجاورة وتطلب شفاعتها، في كنيستها داخل دير
راهبات العائلة المقدسة المارونيات.
* كنيسة سيدة الانتقال أو كنيسة
السيدة الجديدة: هي
الكنيسة الرعائية الكبرى في تنورين، بوشر ببنائها عام
1870 وقد انتهى البناء عام 1921. أضيف اليها قبة رائعة
للأجراس بين عامي 1980-1985 وصالون لنشاطات الرعية
يعتبر تحفة للفن والبناء وذلك بين عامي 2003 و 2005،
بهمة كاهن الرعية وبعض الناشطين في الحركة الاجتماعية
المسيحية، لجنة كاريتاس تنورين، لجنة الوقف والمتبرعين
من أبناء تنورين. تمتاز بأنها من المعابد القليلة في
العالم التي سقفت بخشب الأرز.
* كنيسة مار شليطا:
يعود تاريخ بنائها الى الحقبة الصليبية، وقد شيدت على
أنقاض هيكل وثني. وخلال اعادة ترميمها، أواخر تسعينات
القرن الماضي، ظهرت رموز منحوتة في حجارتها، تعود الى
الحقبتين الرومانية والفينيقية.
شاتين
تقع شاتين الى الغرب من تنورين، بيوتها تعتمر القرميد
الأحمر وسط الجنائن الخضراء، تطل على وادي عين شارة
الذي تحف به الأساطير وتظلله أشجار العفص والسنديان
وصولا ً الى نهر الجوز. وترتفع "سيدة النصر" على قرنة
تعلو مئات الأمتار عن نهر الجوز، بانحدار يجعل الناظر
اليه، يشعر بالرهبة.
بلعا - بعتارة
منطقة اصطياف زراعية سياحية، اشتهرت بينابيعها الدفاقة
كنبع الشيخ ونبع المغراق. ولكن بخاصة، تقوم شهرتها على
وجود البواليع في أرضها، ومن أشهرها بالوع بلعا.
* بالوع بلعا:
هوة طبيعية مهيبة بأغوارها السحيقة، بالصخور المحيطة
بها، والجسور الطبيعية التي تعبر فوقها. وما يزيدها
فرادة شلالات المياه التي تغيب في باطنها منذ الأجيال،
والهوة تطلب المزيد. هي منظر رائع الجمال، فاتن،
وبخاصة المحبسة الموجودة فوق مستوى الجسر الطبيعي
الثاني، التي كان الحبساء يعبرون اليها على حافة
البالوع التي لا يتعدى عرضها ثلاثين سنتمترا ً
(30سنتم). وبالوع بلعا يعتبر معلما ً سياحيا ً دوليا
ً.
* كنيسة مار سركيس:
تقع هذه الكنيسة في بلعا، وهي من بين أقدم كنائس
تنورين. وقد شيد أبناء شاتين - بلعا كنيسة جديدة كبيرة
على اسم مار سركيس، بجانب القديمة التاريخية.
اللقلوق
مصيف تنورين، أرض خصبة عامرة بكافة أنواع الزراعات،
تغذيها البحيرات الاصطناعية الساحرة بفتنتها، أضحى
مقصد السياح لجماله الخلاب، ومناخه الرائع، ووفرة
المطاعم والفنادق في أرجائه، ولكونه مركز اصطياف،
اشتاء وتزلج، ذا مواصفات دولية. وفي اللقلوق آثار
هامة، منها:
* كنيسة عين الذهب:
هي من الكنائس التاريخية التي شيدت في أواسط القرن
السادس عشر، وقد أعاد أبناء اللقلوق ترميمها سنة 2009.
* كنيسة سيدة زويلا:
هي من الكنائس المتوغلة في القدم، اذ شيدت على أنقاض
معبد وثني، ويعاد حاليا ً ترميمها.
وما يعطي اللقلوق طابعا ً مميزا ً، رؤية الكنائس تمجد
الله على التلال الشمالية منه، تتعانق مع تأذين وتكبير
جامع عمر بن الخطاب، في "عرب اللقلوق" على التلة
الجنوبية. ذاك أن تربة الأرز هي أرض التلاقي والاخاء
بين الديانتين الكبيرتين: المسيحية والاسلام.
* صخور المطران:
من المشاهد التي تأخذ بمجامع القلوب في اللقلوق منظر
"صخور المطران"، وهي تجمع للصخور الرائعة في شكلها
وهندستها المليئة بالتجويفات والكهوف، وقد حولها
المطران عقل الى غرف وقاعات وكنيسة لمقره الصيفي.
جرد
تنورين
جرد تنورين واسع بمساحته يناهز تقريبا ً 45 كلم2.
يمتد من أعالي اللقلوق ووادي الجرد وبياض النبع الجديد
- المركز ليصل شرقا ً الى مشارف اليمونة، وشمالا ً الى
عيناتا، وجنوبا ً الى جرد العاقورة. تتفجر في هذه
الأرض الفاتنة عدة ينابيع أشهرها:
* نبع الرهوة:
ينبع من مغارة تقع على علو 2150م؛ يسقي منطقة تنورين
بكاملها. وهذه المغارة هي بشكل نفق، اكتشف منها لغاية
الآن 2500م. وتتكون من مجموعة سراديب تتخللها الحواجز
والتعرجات. يبلغ ارتفاعها في بعض الأماكن 15م، أما
عرضها فيتخطى أحيانا ً 6 أو 7 أمتار. يتدلى من سقفها
رسوبيات، تحجرت مع الزمن، لتعطي أشكالا ً هندسية رائعة
الجمال.
*
عين روما: تنبع أيضا ً
في أعالي الجرد بين تنورين والعاقورة وهي كناية عن
فجوة في الأرض تشرب منها آلاف الماشية، وتبقى على
مستوى ً واحد داخل الفجوة دون نقصان. ظن الآباء أن في
ذلك أعجوبة. أما اليوم فيفسر بقاء منسوب المياه نفسه
داخل الفجوة بقانون الآنية المتصلة، اذ ان العين تتصل
بخزان مياه تحت الأرض مواز لها.
وترعى في هذا الجرد وفسحاته، بدءا ً من منتصف الربيع
وخلال الصيف، قطعان من الماعز والغنم. وهذه المساحات
هي مكان رائع لهواة السير في الطبيعة، والتخييم
والسياحة، ولرياضة ركوب الخيل والسكي دوكما أن منطقة
"صير الأسد" فوق الحريصا، اعتبرت من قبل بعثات أوروبية
متخصصة، مكانا ً هاما ً للتزلج يتمتع بمواصفات دولية.
*
الحائط الروماني: كان
يشكل حدا ً فاصلا ً بين تنورين والعاقورة، بقيت منه
بعض الأطلال.
درب الجبل اللبناني
هذه الابداعات جعلت "درب الجبل اللبناني" وهي طريق
لهواة السير في الطبيعة تجتاز لبنان من شماله الى
جنوبه، تمر في محمية أرز تنورين، والمعالم الطبيعية
والأثرية حولها.
درب
المحابس
منذ دخول المسيحية الى لبنان، أخذ النساك دروب القمم
وما يحيطها من الوديان السحيقة، بهدف التوحد، الصلاة،
والاختلاء مع الذات، سعيا ً الى القربى من الله. فكان
ملجأهم المغاور والنتوءات وسط الصخور الشاهقة،
والمنحدرات الرهيبة. وقد ساند هؤلاء المتوحدين، في
تأهيل هذه الأماكن الموحشة، سكان المناطق المحيطة.
وما تمايز به حبساء لبنان، أنهم مع نسكهم وتوحدهم،
ظلوا على تواصل مع أهالي المنطقة المحيطة بالمحبسة؛ اذ
اعتبر أبناء هذه المناطق وجود حبيس بينهم، مدعاة خير،
فجهدوا في تأمين ما يحتاجه طالبين اليه الصلاة، حماية
لهم من الشرور، واحلالا ً للبركة في أرضهم، لتدفق
بالخير والغلال.
وقد تقدست أرض الأرز، جبالا ً ووهادا ً، كونها حفلت
بالنساك المتعبدين، بدءا ً من القرن الخامس: فكان وادي
قاديشا، وادي القديسين، الذي أزهر بالكنائس، المحابس
والصوامع في كافة أرجائه.
وكان بموازاته، ويماثله في البنية والوظيفة، الوادي
الممتد من أرز تنورين في محلة الفوار، الى رأس بنيا،
الى عين الراحة، الى حوب، ووادي تنورين، فتنورين
التحتا، صعودا ً الى كفور العربة، من خلال الشير
الهائل، شمال تنورين التحتا، عبر الطلعة المتدرجة فيه
المعروفة ب "درب الفرس"، مرورا ً بقرب دير بصة في كفور
العربة، وصولا ً الى "سيدة القلعة" و"كنيسة نوح" في
بلدة نيحا، ومن هناك ومن خلال معبر "تم الكفور"، الى
المحابس في حردين.
وترتبط مناطق هذا الوادي الفتان، من أرز تنورين الى
حردين، بدرب ترددت في أجوائها وعلى جوانبها، عبر
الدهر، صلوات النساك القديسين، فعرفت ب "درب المحابس".
وحردين، هي تاريخيا ً "أرض الورعين الوجلين" بلدة
القديس نعمة الله، سكنها البطاركة العظام، وأعطت
المطارنة الورعين. منها القديسة ساره، وجحفل من
الكهنة، الرهبان، الراهبات والنساك المتوحدين. أرضها
تفوح ببخور غابات الصنوبر وأريج الأزهار، وتضوع
بالصلاة وعطر القديسين.
ولا عجب بعد، أن يزهر في هذه التربة النقية ما يزيد
على ثلاثين كنيسة، ديرا ً، ومحبسة، تتلألأ فيها
الأنوار السماوية. نكتفي بذكر بعض المحابس التي غدت
مقصدا ً للزوار والسياح:
*
محبسة سيدة القلعة: تقع
وسط الشير المطل على قريتي نيحا وكفور العربة.
* محبسة دير الرئاسة:
باقية في الشير المطل على منطقة الجبل والأرز، تشهد
على بطولة حياة القديسين.
* محبسة مار اسطفان:
في تجويفات الصخر الشاهق فوق نهر الجوز، تبارك السهول
على جانبيه، لتدر وافر المحاصيل والجنى.
* محابس التجويفات في كفرشيرا:
وهي على اسم مار يوسف، مار أفرام السرياني، مار يعقوب،
والقديسة حنة.
* مغارة القديس نعمة الله الحرديني
في بيت كساب حيث كان يعتزل للصلاة.
هذه التربة المقدسة عاش فيها الآباء والأجداد، وقد
حولوا بعرق جباههم الصخر الى جنائن، اليباس الى اخضرار
وأمل. وقد رافق جهودهم الجبارة، قلوب وأفكار تماثل
أرضهم طهرا ً ونقاء ً، يحافظون على كل ذرة منها بالروح
والمهج، فعمت حياتهم الهناءة، رغم قساوة الطبيعة وما
لاقوا من اضطهاد.
واليوم،
مع الأخطار
العديدة
التي تهدد
الطبيعة
والانسان،
تعود المحميات،
ومن بين طليعتها
محمية غابة
أرز تنورين
الطبيعية،
لتنشر ثقافة
حب الطبيعة،
الأم التي
حضنت الانسان،
مذ كان، داعية
الى احترام
كل مظهر من
مظاهر الحياة
فيها. فبالحفاظ
على محيطنا
الطبيعي
ومكوناته،
نحافظ على
وجودنا البشري،
وعلى استمرارنا
على هذا الكوكب
النادر: الأرض.