Back Home (To the main page)

Middle East fine art store

 

Sections

About us

Contact us

 
 
Home > Panoramic Views


مآكلهم وانواع اطعمتهم ومشاربهم (...تابع)

نشأ اللبناني على حسن التغذية واختيار الملابس وترويض القوى البدنية فكان محافظا ً على قانون الاقتصاد الحيوي ونشأ سليم الجسم صحيح العقل ولما كان كثير الرياضة والحركة احتاج الى الغذاء وحسن هضمه وهو يأكل المآكل الضخمة ويقتصر على الوجبتين او الثلاث ويألف السكوت على المائدة وكثيرا ً ما كنا نسمع ونحن صغار قولهم: "لا تحكوا على المائدة الملائكة حاضرة بيخنقكم الله" وكذلك كانوا يمنعونا عن الاكثار من شرب الماء القراح على الطعام وخصوصا ً اذا كانت اللقمة في الفم... وفي ذلك ما فيه من المساعدة على الهضم كما يقول الاطباء. وكانوا يكثرون من التوابل والابازير والاخلاط وتناول كثيرا ً منها نيئا ً وغير ناضج. واكل طعامه على بساط الغبراء او على جلد ونحوه اذا لم يأكله ماشيا ً ومسافرا ً. وآنيته قصعة خشبية او خزفية. وكان الكهنة اذا حضروا طعاما ً بخروا الخوان وصلوا قبل الابتداء بالاكل وبعده. واهم ما كانوا يخزنونه في بيوتهم قديما ً القورما (الدامة) تركية وهي اللحم المذوب المقدد. والكشك وهو نقيع البرغل اي مسلوق القمح بالماء ثم بالحليب بعد ذلك وتجفيفه وجرشه. والبرغل جافيا ً ودقيقا ً للطبخ او الكبه وما شاكل. واختص اللبناني باكل البزاق او الحلزون كما اختص الدمشقيون باكل الضفادع والسلاطعين (السراطين) والعامة تسمي الحلزون "المرينة" ويتغنى لها الاولاد عند جمعها بقولهم ("يا مرينة يا مرون. طلعي لي بأربع قرون".

واكثر مآكله عربية وفارسية وآرامية كما يظهر من اسمائها وانواعها ومهر بمعالجتها وطبخها واكثر من الادام حتى كانت لذيذة الطعم فمن مآكلهم "الكبه" وتسمى المدققة وهي من البرغل واللحم تدق بجرن وتوكل نية او مشوية او مسلوقة. و"المجدرة" وهي من الرز والعدس وقد تكون من البرغل والعدس. وتسميان "مسامير الركب" لتغذيتهما وسميت المجدرة بهذا لانها تشبه آثار الجدري بالوجه. و"المخلوطة" من العدس والحمص والبرغل وما شاكل و "الرشته" فارسية بمعنى الخيط وهي من العجين المفتول والعدس. و"اليبرق" او المحشي وهي حشي الكوسى او ورق العريش باللحم المفروم مع الرز تركيتها ييراق بمعنى ورق الشجر ويخصونها بالمحشي من ورق العريش. و"الغمة" وهي طبخ رأس الغنم ونحوه من الكراعين (القوائم) والكرش المحشي باللحم والرز. و"الهريسة" وهي طبخ العظام مع اللحم بالقمح المدقوق والمقشور. و"الشوربا" وهي الحساء عند العرب من اللحم والرز سائلة.

ومن حلوياتهم واشباهها "المهلبية" ولعلها نسبة الى المهلب بن ابي صفرة امير الحجاج بن يوسف الثقفي المتوفى سنة 83 ه. (702م). و"البالوزه" من الدقيق والماء والسكر او العسل وهي التي عرفها العرب باسم الفالوذج واخذوها عن الفرس كما يدل اسمها. "والخشاف"وهو نقيع الزبيب يؤكل بمائه و"السنبوسك" وهي فطائر مقلية من رقاق العجين المحشوة باللحم والجوز معرب سنبوسه. و"القينر" وهو مغلي اليانسون (الانيسون) والكزبرة محلى ً بالسكر وعليه قلب الجوز واللوز او الصنوبر، و"المغلي" وهو طبخ دقيق الرز بالسكر وعليه قلب الجوز او اللوز او الصنوبر وهذان من طعام النفساء. و"الخبيصة" من الارز والدبس والعرب يعملونها من التمر والسمن.

اما مشاربهم فالماء القراح مع بعض الخمور اللبنانية الجيدة وكان لهم المام كاف بمنافع الاطعمة ومضارها ولذيذها وتافهها فقالوا مثلا ً: "كل من الفجل الورق ومن اللحم المرق" و"شبر من المله ولا ذراع من المرقوق" و"الحامض أليم والمر حكيم والحلو حليم" و"البلد التي تصلها كل بصلها" ولا تخفى فائدة البصل ولا سيما مع الكبة النية لانه يقتل الدود الذي يتولد من اللحم النيء. و"نزل الفلاح عالمدينة ما استحلى غير الدبس والطحينة" ومن اقوالهم الصحية: "تغدى وتمدى ولو غفوتين وتعشى وتمشى ولو خطوتين" و"باكر بالغدا ولا تتماسى بالعشا" و"البطنة آفة الفطنة".

ملابسهم وحلاهم ذكورا ً واناثا ً

ان ملابس اللبنانيين تعتبر زيين قديمين: اولهما زي الموارنة الذي قدموا من شمالي سورية اليه وهو اشبه بالزي الاشوري القديم فكانوا يلبسون الشروال وفوقه كساء لا يتجاوز الركبتين طولا ً والعمامة ويرسلون لحاهم ويحلقون شعر رؤوسهم وهو اقدم ازيائهم في لبنان. اما زي نسائهم فكان الثوب المسترسل الى الارض ليغطي جميع الجسم وهو من قطن ابيض ساذج وقد يكون ازرق او بنفسجيا ً. وعلى الرأس برقع يغطي شعورهن من الامام والوراء فاذا رأين رجلا ً يجهلنه انحرفن عنه او التفعن بالمنديل تسترا ً منه. وحلاهن اساور عظمية او نحاسية وصارت بعد ذلك فضية او ذهبية في اليد. وفي الرجل خلخال مثلها. ويتعصبن بعصابة رصفت عليها النقود نحاسية او فضية او ذهبية. ثم تبدلت هذه الازياء بتبدل الازمان وكان المقدمون والمشايخ والاعيان كثيرا ً ما يلبسون الخوذ الفولاذية الصقيلة والعباآت الحريرية المفوفة بالقصب.

وربما لبس بعض قدمائهم القفطان (القفتان تركية وهو ثوب قطني يلبس فوق الدرع واذا كان من القز سمي "جوقال") والجبة والعمامة ثم عرفوا الشراويل ( السراويل - الشروال كردية فارسيتها من سر "فوق" وبال "قامة".) فكانوا يلبسونها واسعة وفوقها زنار عريض فيه خنجر وعلى رؤوسهم الكوافي اي المناديل الصوفية يشدها على رأسهم العقال وهي عصابة من صوف مبرم. ثم الطواقي على الراس وهي من مقصور ابيض مطرز وفوقها غطاء عليه عصابة تحول الى طربوش دلح (هو طربوش احمر طويل يبلغ اكثر من نصف دراع وله شرابة يشتمل عليه او يعتم.) ثم الى طربوش مغربي (طربوش مستدير له شرابة (طرة) زرقاء امر ابراهيم باشا المصري بلبسه سنة 1838 فلبسه الامير بشير واسرته وعمم. وأصله سر (رأس) وبوش (غطاء) بالفارسية. ) فغزيزي (هو الذي لبسه السلطان عبد العزيز وعمم فنسب اليه وهو بشكله الحاضر الآن.). وصار امراء لبنان يلبسون العباءة وتحتها الدامر المزركش بالقصب وتحته السراويل ثم الطماقات كل ذلك من ازياء الرجال الى ان تبدلت الملابس بما هي عليه اليوم ومعظمها افرنجي دخل بلادنا عن طريق الاستانة (كان عبد الله باشا والي عكاء لابسا ً النظام الافرنجي ملبوس اسلامبول وفوقه كبوت جوخ ازرق طويل وعلى رأسه كشمير ملفوف.). وصار لبس نسائهم القنباز الطويل المشقوق من الامام او على المعطفين الى المنطقة وله ازرار نحاسية صفراء وتحته قميص من الحرير المسلوب الابيض خشن النسيج وقد يكون مطرزا ً. وعلى الرأس الشكة (لعلها تحريف الشبكة وتركيتها سركوج او سكروج وهي كيس حريري للف الذوائب وتغطية الرأس مستعمل حتى الآن. ) او الطنطور (حلية اسطوانية مخروطية الشكل اشبه بالقرن محدد الاعلى احيانا ً يكون ارتفاعه عند الاميرات نحو ذراع وعند غيرهن نحو ثلثي الذراع يلبس فوق الطربوش وهو من فضة او ذهب منقوشا ً او ساذجا ً يربط تحت الذقن ويطرح عليه الشنبر (الازار او النقاب) يغطيه ويستر جميع البدن. شدد النكير على النساء المتزوجات اللواتي يلبسنه فابطلنه سنة 1848م. ) والقفوية (نسبة الى قفا الرأس تؤلف من خمسين جديلة حريرية مشتبكة يعلق باطرافها نقود ذهبية مرصوفة على قطعة قماش يعصب بها الجبين. ) والعقائص والمالويات والصنوبريات والصفا والعقد والخاتم والحلق مما ذكر معظمه في دواني القطوف صفحة 263.

والغنيات يلبسن بارجلهن الصرامي (الصرماية تكون حمراء او سوداء بلا اذنين كالبحيرية.) الحمر المحددة الرأس. والفقيرات المداس (المداس يكون باللونين ايضا ً له ازرار واذنان وواسع.) العريض الرأس. الى ان تغير زيهن الى الاشكال الحديثة الافرنجية.

والزي الثاني وهو اشبه بزي العرب واشباههم ممن قدموا الى جنوبي لبنان فكانوا يلبسون الكوفية والعقال والقميص الطويل او القفطان والعباءة وبعضهم يعتصبون بعمائم سوداء او كحلية حسب اوامر سلاطين عهدهم ثم غيروها بتغير الزمان واختلط الزيان الماروني القديم والعربي فتحول الى ازياء اختلفت باختلاف الاعصر وكادت تكون اليوم واحدة لولا محافظة عامة الدروز على البستهم القديمة ما عدا خاصتهم. ولما قدم ابراهيم باشا المصري الى سورية امر النصارى ان يستبدلوا العمائم السوداء بالبيضاء وقبل مزايلته لسورية بسنتين امر بطرحها ولبس الطرابيش بدون عمائم كما مر آنفا ً. وتحولت الازياء الى القفطان والجبة والشروال والقنباز والفرو والبكدلية والعباءة الزنارية والمشلح والبرنس وصارت الحلى مرصعة بالحجارة الكريمة على ما هو مشهور اليوم عندنا.

وملابس عقال الدروز هي الاثواب الضيقة الاكمام القصيرتها الموحدة الالوان رجالا ً ونساء ً وذلك غالب في جهال الرجال. ولكن العقال يلتزمون بتقصير اذيال اثوابهم الى ما يلي الركبتين بيضاء او زرقاء محضا ً لا يخالط لونها لون آخر والرجال يلبسون فوقها عباءة ذات خطوط عريضة من البياض والسواد وعلى الرأس عمامة بيضاء مستديرة ولا بد من اطلاق لحيته ولو كان شابا ً. وثياب المرأة طويلة وعليها خمار تستر به احدى عينيها ولا تلبس حلى ذهبية او فضية الا بعض الجاهلات.

بناء بيوتهم وتأثيثها

كانت بيوت قدماء اللبنانيين المغاور ثم الاكواخ والخيام واشباهها من طين او لبن او حجر واغصان شجر. ثم صارت بيوتا ً من حجر خام (دبش) وعملوا لها نواتىء من سقوفها تسمى السفارات وهي سريانية بمعنى الشاطىء ومنها الشوار عند العامة ايضا ً وذلك ليردوا تخلل الرطوبة للطين او الحجارة. وطينوها من الداخل بالتراب والتبن وطرشوها (بيضوها) بالحوارى وزنروها الى علو نصف ذراع واكثر بالمغرة الحمراء واتخذوا فيها طاقات ورفوفا ً لوضع الآنية البسيطة. فرشوا ارضها بجلود الحيوانات او الحصر وعملوا بابها من لوح واحد يدور على سيار (صوص) ويقفل بالسكرة وهي قطعة خشب عمودية نحو ثلث ذراع وفيها قطعة نحوها تدخل فيها عرضا ً مجوفة لدخول المفتاح فيها ومثقوبة الأعلى بعدة ثقوب ادخلت فيها مسامير حديدية من اعلاها تنزل الى اسفلها حيث يوجد بالخشبة المعترضة ثقوب مثل تلك فتدخل فيها وتغلق فاذا ارادوا فتحها ادخلوا مفتاحا ً خشبيا ً له مسامير ناتئة بعدد تلك فترفعها وتفتحها فاذا اخرج المفتاح واطبقت عادت. وقلما كان للبيت شباك او طاقة. ثم اتسعت البيوت واتخذت من الحجر المزنبر او المنحوت وفيه الملاط والسياع وصار الحائط مفرسا ً (كلمة سريانية بمعنى منبسط وناتىء) ليقاوم الارياح والثلوج او مسفطا ً (سريانية او فارسية بمعنى مقطوع) وهو من صف واحد. واتخذوا فيهه المخدع وراء الباب فيه طاقات لوضع اشياء وقربه الموقدة ثم القعادة وهي افريز صغير يتصل بالعامود على محاذاة المخدع. وفي داخل البيت الكوارة وهي وعاء من طين مستطيل لوضع الطحين. والتابوت وهو حائط عال بين عمودين مفرغ الداخل لوضع المؤونة من الحبوب يقطع من محال مختلفة كبيرة وصغيرة وفي اسفل التابوت والكوارة منفذ صغير للتفريغ يسمونه الجيازة. وتجد رفوفا ً على الاعمدة المربعة الكبيرة ومدخنة ورفوفا ً في الجدران وخزانات كلها من طين لزج متماسك. فيوقدون النار في المداخن ويملأون البيوت سوادا ً حتى ترى السقف كانه مدهون بالقار او الزفت وهو مؤلف من جذوع صلبة اغلظها يسمى الجسر وما كان ادق منه الثانية وجمعها ثواني ثم اخشاب فوقها البلان وهو نبات شائك وفوق الكل التراب المرصوص والمدلوك بمحدلة اسطوانية وقوس او ناعوس يدخل في طرفيها وتجر به ويدلك بها السطح على اثر المطر فيمنع الدلف (الوكف) وتجرف الثلوج عن السطح بخشبة تسمى زحفا ً او برفش خشبية وكثيرا ً ما يكون في البيت من الملاحظات الضرورية طاقة للبسة تدخل وتخرج منه وقن للدجاج. وكان الكاهن يقيم الصلاة على الاساس ويكرس البناء الجديد بعد انجازه عند النصارى.

وتبنى البيوت باجتماع السكان او ما يجاورهم لنقل الاشياء الضخمة ويسمى ذلك العمل "العونة" ويولمون للمساعدين متبادلين المساعدة ويباركون بالبيت الجديد قائلين: "تقعدوا فيه بالفرح". وكثيرا ً ما يعلق فوق بابه حذاء عتيق لئلا يصاب بالعين فينهدم. ويكون في الغالب بيتا ً واحدا ً او اثنين على الكثير ويراعى فيه ملاءمته لتربية دون الحرير لأنه المعول عليه عندهم. ثم ترقى الى ان صار شبه قصر.

ولم يكن في البيت القديم شيء من الاثاث الا الحاجات الضرورية للنوم والاكل والشرب وكثيرا ً ما يكون عند اعيان القرية واغنيائها جلد حيوان بصوفه او بساط او بلاس من شعر او دادية من صوف وطاقم للقهوة من ابريق وفناجين وصينية واركيلة (نارجيلة) وشبق. فيستعيرها الناس في دواعي افراحهم او احزانهم مع ثياب العرس ايضا ً. ومن غريب ما سمعته من احد الشيوخ ان كبيرا ً زار قرية مع احد خواصه فكان الجلد يحمل امامه من بيت الى بيت ليجلس عليه في طوافه على السكان. فوجد في احد البيوت جلد آخر فجلس الكبير على الجلد المحمول واراد معتمده ان يجلس على الثاني الفارغ فانتهره وامر برفع الجلد من موضعه لئلا يجلس عليه احد آخر.

وفي العصور المتوسطة بنيت قصور الامراء والمشايخ بهندسة جميلة وكذلك الكنائس وبعض بيوت الخاصة ولا سيما في عهد الامراء التنوخيين والمعنين والعسافيين والشهابيين ولا تزال آثار ابنيتهم مائلة. ومما يحضرنا الآن ان الامير محمد العسافي لما عاد من الاستانة سنة 1584م احضر معه بنائين حاذقين لاتمام قصره الذي بدأ به والده الامير منصور مع الجامع بقربه في غزير فاتقنه واتمه بالرخام والفسيفساء الملونة حتى بلغت نفقته اربعة عشر الف غرش وكان من افخر ابنية الشام. وكذلك الامير فخر الدين المعني فانه بعودته من توسكانة من اعمال ايطالية 1617م استقدم بنائين ومهندسين لقصوره في دير القمر وغيرها واقترح على البطريرك جرجس عميره الاهدني الماروني اللبناني وضع كتاب في هندسة البناء باللغة العربية فوضعه في عهده وهو مفقود الآن. وآخر من ولع بالبناء واتقنه الامير بشير الشهابي الكبير فانه استقدم بنائين من الخارج واتخذ انطون خضرا من الزوق مهندسا ً ودهقانا ً فشيد قصر بيت الدين وقاعة العمود والمقاصف في بيت الدين وكلها آيات في اتقان الصناعة وهكذا قل عن هندسة الجسور والاقنية وترصيف الطرق.

عاداتهم في صنائعهم المختلفة

كان سكان لبنان القدماء يقطعون الاشجار ويبيعونها حطبا ً او اخشابا ً للسفن وغيرها التي بنوها هم ايضا ً بأيديهم واستعمروا الجبل بالحرث والزرع والحصاد واصطادوا الاسماك وذبحوا الحيوانات متخذين لحمها طعاما ً وجلودها كساء ً او فرشا ً ثم تدرجوا فاقتنوا المواشي وقاموا على تدبيرها والانتفاع بألبانها وزرعوا الاشجار المثمرة لأكل قطوفها او بيعها واعتنوا بغرس التوت وتربية دود القز على ورقه. وعرفوا حل الحرير ونسج الاقمشة ولا سيما القطن فعملوا الخام البلدي الابيض ثم صبغوه الوانا ً اخصها الازرق متخذين منها الالبسة ثم اهتدوا الى التطريز بالخيوط الملونة القطنية ثم الحريرية (الجركاش) ثم القصب المزركش. ونسج العباآت والشراشف (المقارم) والطنافس الصوفية (الداديات) والشعرية (البلس) والصوفية الملونة (السجادات). وتوسعوا في نسج العدل والاخراج ونحوها من الامتعة الضرورية. ثم اهتدوا الى الصناعات المتقنة مثل عمل المدى (السكاكين) في جزين وصناعة القصب المزركش في الزوق ونسج الديما من القطن والحرير في القاطع من المتن. والفخار وسبك الاجراس في بيت شباب. والصناعة والحدادة في زحلة. والقيانة (القردحة) في زحلة والشوير ودوما. والصابون في الشويفات. والسجاد في بعقلين. واستخراج الخمور والقطران والدباغة والبيطرة والسكافة في كثير من القرى. واستخراج الاسفنج بين جبيل وطرابلس الشام حيث افخر مغاوصه. وتقطير الملح على الشواطىء.

ولكن من غريب ما في طباع ارباب بعض الصنائع تكتمهم بها واحتكارهم لها حتى انهم يضنون بها على اقرب الناس منهم فقد يحفظونها في اولادهم ولا ينقلونها الى اخوتهم وقد تتزوج المرأة من اهل صناعة مشهورة رجلا ً يجهلها فيتهددها بالهجر ولا سيما عند النصارى فتفضل هجره على افشاء سر صناعة اهلها ولذلك ماتت بعض الصناعات او كادت. فضلا ً عما يتهددها من الاهمال.

ومن افضل صناعات اللبنانيين تربية دود القز ولقد اعتنوا بها اعتناء ً مذكورا ً وافلحوا. وكانوا يحلون الشرانق (الفيالج) على الدولاب العربي بايديهم ولا سيما في كسروان اخصها عين طورة الزوق. فكان كل من يقطف شرانقه يخنقها بالشمس ويحلها بيده او باستئجار من هو بارع بذلك. وكانت اوقية البزر البلدي تعمل ستة ارطال من الحرير المحلول واحيانا ً تعطي اثني عشر رطلا ً واوقية البزر نحو اثني عشر درهما ً وكان رطل الحرير المحلول حلا ً عربيا ً يباع من 180-200 غرش والاصفر اغلى من الابيض.

وكان من صنائعهم التبزير اي تنقيف (تفقيس) بزر الحرير وتحسين انواعه وهو المسمى عندهم البلدي القديم كان لونه اصفر مائلا ً الى الحمرة اي برتقالي والاوقية منه تكون من 40-50 شرنقة وافضله الشوفي المربى في عين كسور بقي نحو مائتي سنة في بلادنا وانقرض بعد سنة 1860 قبل اكتشاف طريقة الفحص المهجري.

وكان من انواع البزور الهندي والصيني والقبرصي والقرين وكلها انقرضت وجاء بعدها الكريتي والكرسكي فحفظت هذه بالفحص المجهري والتوليد الصحيح بخلاف تلك.

واول معمل للحرير في لبنان اسس سنة 1841 في بتاتر (الشوف) ليروسيير يرطاليس والثاني في عين حماده لمورك ذلك وشركائه سنة 1847م فادخل بهما حل الحرير على الطريقة الافرنجية وشاعت بين السكان وكثرت المعامل حتى بلغ عددها نحو 175 معملا ً وعدد دواليبها نحو 11284 دولابا ً وبلغت حاصلات الحرير اللبناني مؤخرا ً في العام نحو ثلاثة ملايين اقة ونيف.

ونحو سنة 1865م انشأ فرنكو باشا متصرف لبنان اول معمل للسجاد في بعقلين وبقيت هذه الصناعة فيها.

وسنة 1888م اسس اول معمل للورق في انطلياس للخواجات باحوط وثابت اشتغل فيه نحو مائة فاعل يوميا ً وعطل بعد بضع سنوات لقلة الاقبال عليه.

وكان قبل ذلك اول مطحنة افرنجية على نهر بحوارة انشأها تشرشل بك الانكليزي نزيلها.

واشتهرت في كفرعقاب من المتن معامل البارود وكان ملحها يجمع من مزارب المعزى وكانت ثلاثة معامل كل معمل ثلاثة اجران فاحرقها عمر باشا النمسوي سنة 1842 ومن صناعات اللبنانيين سبك الحديد واشتهرت به دوما والشوير وزحلة وكان يعطي من 50-60 بالمائة ويحرق نحو 30 رطل حطب لسبك نصف رطل حديد ويصب الكور يوميا ً من 18-27 رطلا ً منه النعال والمسامير وبعض الادوات واشتهر بجودته ولكن كلفته الكثيرة ومزاحمة الحديد السويدسي له اماتته.

واستخراج الفحم الحجري ولا سيما من سنة 1835-1838م على زمن الدولة المصرية فسخرت السكان لاستخراجه وكان الناتج يوميا ً من مناجم قرنايل نحو مائة قنطار تنقل الى بيروت على بعد سبع ساعات باجرة خمسة غروش لكل قنطار.

ثم عرف فحص دور القز على طريقة بستور واول من ادخله الى لبنان الياس الشقماطي من عين طورة الزوق نحو سنة 1879 ثم عم استعماله وانشئت له المعامل الكثيرة كما ذكر في كتاب دواني القطوف.

ومن صناعاتهم الادبية الطب والتدريس والصحافة والصيدلة وخدمة الحكومة والمحاماة حتى ان معظم النابغين في هذه الصناعات منهم في الوطن والغربة وفيهم ميل الى الاستخدام مطلقا ً مع قولهم في محادثاتهم "تاجر بقرش تسمى في البلد تاجر وبألف قرش عند الناس لا تآجر".

عاداتهم في فنونهم الزراعية وتربية مواشيهم

عرف اللبنانيون الزراعة منذ القديم واتقنوها ولكنهم لم يخرجوا فيها عن خطتهم القديمة فلو طبقوا العلم الحديث على مهارتهم بها لأفادوا واستفادوا. ولا يزال محراثهم (صمدهم) على بساطته وزراعتهم قاصرة على التسميد والسقي بحسب ما تناقلوه عمن سلف من قدمائهم وهم يتمسكون ببعض الخرافات الباطلة.

ولهم خبرة بزراعة التوت والزيتون والكرم والصنوبر وبعض الفواكه والحبوب ومواقيت زرعها وتطعيمها (أبرها) وبمواقع الغيث واوان الحصاد وجنى الثمار واحراق الحطب فحما ً (عمل المشحرة). وزرع الدخان (التبغ) وتحضيره.

ومما كان شائعا ً عندهم ان كهنة النصارى يتلون صلاة على غرس الكرم وقطافه وعنبه في عيد الرب ودفع الهوام المؤذية للشجر وبيادر الحنطة تبركا ً وجلبا ً للخصب.

ومن عاداتهم اذا انقطع المطر عنهم ان يستسقوا بالباس ثياب لعود وحمله طائفين به على البيوت ومنشدين "يا ام الغيض غيضينا" اي يا ام الغيث غيثينا. ويجمعون زيتا ً لاسراج المعابد استمطارا ً. وفي بعض القرى يحملون ايقونة القديس الياس النبي لانه بصلاته حجب المطر واستمطر.

ومن الخرافات الزراعية ان غرس الشجرة وقطعها وزرع الحبوب لا يخصب الا اذا كان بنقصة القمر لا بزيادته ويعرف عندهم بحساب الفراغ والملآن فيعدون الخمسة الاولى من الشهر القمري ويحسبونها ملآنة ثم الخمسة التي بعدها فارغة. ثم اربعة ملآنة واربعة فارغة وثلاثة ملآنة وثلاثة فارغة واثنين ملآنين واثنين فارغين وواحدا ً ملآنا ً وواحدا ً فارغا ً. فالملآن يصلح للزرع او القطع واما الفارغ فلا. ويعتمدون على هذه الطريقة.

واذا لم تعقد الشجرة ثمرا ً عمدوا الى خرقة من ثياب امرأة ولود واذا كانت مذكارا ً فأفضل وعلقوها بها استثمارا ً لها. ويتطيرون من السنة الكبيسة التي يكون فيها شباط 29 يوما ً اذ تكون فاتكة بالمعاشير ومواليدها اخصها المعزى.

ومما يتمسكون به قطف الزيتون بضربه بهراو كبيرة وفي ذلك ضرر يمنع حمله في السنة التالية والى الآن لا يزالون يجرون على خطتهم ولو حرموا موسم سنة بعد كل قطاف.

ومن اغرب كل ذلك انهم عندما يشيحون القز لتنسج فيالجها (شرانقها) يمتنعون عن طبخ السوائل لئلا تكون الشرانق رخوة. والرجال تمنع عن حلق لحالها لئلا يقع الدود ولا ينسج. ويمتنعون عن تحميص البن وغيره. ومما يدل على خبرتهم بالقز قولهم عن صوماتها وفطراتها: ليلة الخمسة كبري الكمشة. وليلة الستة اكمشي وحطي. وليلة السبعة ما لها شبعة. وليلة الثمانية عجوز ثانية. وليلة التسعة راح صاحبي يسعى (اي في بيع الشرانق). وليلة العشرة اكلتها فشرة (قليلة). وعشر ودشر. وعندما تطلع على الشيخ يقولون: شيح واقبر مرتك وتنيح.

وقولهم في اختباراتهم بامثالهم الدارجة: شحالة التين بالتشارين. وبعيد الاربعين شاهد جاهد عاكرمك جاهد. وشيلي من آذار وشيلي من نيسان (لقز الساحل). وفي عيد البشارة (25 آذار) بزركم يا بزارة. وعيد البشارة ان كان فيه غيم دور الكاره ما بيطلع القز ولا شكاره. ونصبة كانون الثاني بسنة بتصير ثاني. ونصبة كانون الاول خير من نصبة عام الاول. ونوار شرنقة ومشمشة وشك تتن. وعشرة في نوار قزه وسنبله وزر خيار. وان اقبلت نيسان (ويقال آذار) وراها وان امحلت نيسان وراها. وكل رعدة بآذار رية بنيسان (او بايار). وآذار حبل ونيسان سبل. وشباط تلجه وشتاه خير من شمسه وهواه. وجدي خبرني عن جد وأب. كل الشهور بتشتي الا شهر آب. وحزير طيلع ابنك عالغمير (الحصاد). والكرم اللي بينفلح بآذار يما بار. وكل شيء بالامل الا الرزق بالعمل. والرزق اللي ما هو ببلدك لا لك ولا لولدك. يا ويل الرزق اللي ما بيواليه صاحبه. وقفة شلوش ولا قفة قروش. وسنة الملاح للفلاح. والثلج ملح الارض. ولا تحسب سنتك تا تستغلها. وشيل اختي عني وخذ غلتها مني. والدليل غليل. واللي ما درا بآب شحم قلبه ذاب. وسنين للبقر وسنين للمطر. وان جار عليك الزمان جور على الارض.

اما تربية المواشي فلهم فيها عناية خاصة ولا سيما المعزى والبقر والخيول والبراذين (الكدش) والبغال والحمير والجمال. ويربون الدجاج وبعض الطيور الاهلية كالحمام ويدبرون النحل. ويقتنون الكلاب والهررة لحراسة بيوتهم. ويعتنون بتربيتها وتنميتها وتحسين اجناسها مراقبين لحركاتها ومستدلين منها على الغرائز والانواء ولا سيما الرعاة فان لهم معرفة واسعة بمواقع الغيث وحدوث الانواء وتحضير الالبان والجبن والزبدة والسمنة والقريشة وتربية الجداء. وتعليف الاغنام لتقديد لحومها (قورما) وتسمن الاغنام فيه سمنا ً غريبا ً اذ يلقمونها بايديهم بضعة اشهر حتى يبلغ وزن الخروف احيانا ً خمسة وثلاثين رطلا ً في الصرود (الجرود).

ويعرفون مواعيد تنمية كل صنف منها فلذلك يقولون جدي شباط وجحش آذار ومهر نيسان وعجل نوار وبسين الحصرمه كل عمره متعلس (اي ضعيف).

ومن استدلالاتهم بمراقبة الحيوانات قولهم: العراق (الكركي) قربته بظهره. اي يأتي بعده المطر. وتفلية الدجاج وطيران الغراب ونقيق الضفادع دليل المطر. ومجيء العصفور التليجي وام رطيز (ام سكعكع) دليل الثلج وكذلك دنو ابي الحن من البيوت. وعواء الواوية (بنات آوى) دليل الصحو. وصرير الصرار (الزيز) دليل اشتداد الحر. وظهور سن المنجل (وهو عصفور التليجي) بنغمة جديدة دليل الربيع. وقد يستدلون منها على غير المطر: كغسل الهرة لوجهها فانهم يزعمون انه دليل قدوم ضيف. ونباح الكلب بصوت مقلوب يؤذن بمصاب. ونعيق البومة اشارة الى موت مدنف. وطيران غراب واحد نحس والغرابين سعد. وصياح الدجاجة كالديك انذار بخطر. ودخول الفراشة المسماة (بشورة) الى بيت يخبر بشيء فان كانت بيضاء بشرت بالخير والا بالسوء.
ومن غريب عاداتهم انهم اذا فقدوا حيوانا ً ذهبوا حالا ً الى احد الرعاة وقدموا له عويسية (مدية) فيفتحها ويربط فم الذيب بكلمات يتلوها عليها ثم يطبقها ويعطيهم اياها محرضا ً انه اذا فتحت افترس الذيب الضائع والا فانه ينهشها باظافيره ولكن لا يستطيع فتح فمه ونهشها بانيابه فيبيتون مطمئنين الى اليوم الثاني ليبحثوا عنها.

ومن امثالهم في الحيوانات وخصائصها وشؤونها قولهم: اذا حالت بقرتك سنة لا تذبحها واذا امحلت ارضك سنة لا تبورها. ومن يحضر بقرته تجيب توم. واذا صعبت الارض در لها هروشها. واذا بيك خلفك فقير عليك بقراريط الخيل وزرع الشعير. وما لك طرش يقوم الا بعد مستقرضات الروم. ولا لنا بقر ولا منغدي على سحر. واللي ما له عيلة يقني له خيله. واللي بيعمل جمال بيوسع باب الدار. وتوق مقدم الكلب ومؤخر البغل. والعنزة الجربانة بتشرب من راس النبع. وفرخ البط عوام . والديك الفصيح من داخل البيضه بيصيح. وكلب فالت ولا سبع مربوط. وكل ديك على مزبلته صياح. واشقر بقر لا تقتني وان صح لك لا تبيع. ومن قلة الخيل شدوا على الكلاب سروج. ومثل ما بتعمل المعزى بالعفص العفص بيعمل بجلدها. وربي كلبك يعقر جنبك. وفي آذار طلع بقراتك على الدار (في الساحل).

شؤونهم مع رؤسائهم الدينيين والدنيويين

تراوح اللبنانيون بين زعمائهم الدينيين والمدنيين فكانوا تارة ينقادون الى الفريقين معا ً او يخرجون عليهما او يوالون الواحد ويناوئون الآخر بحسب ما يعرض لهم من الشؤون وما يتنازعهم من الاغراض فكانت التعصبات تتلاعب بهم تلاعب الهواء بالريشة.

واللبنانيون من جميع الطوائف ينقادون الى رؤسائهم الدينيين انقيادا ً شديدا ً ويحترمونهم ولا سيما الموارنة والدروز فانهم يشاورونهم بكل ما يشاؤون اجراءه ويطلبون بركاتهم ويستأذنونهم ويقبلون ايديهم عند كل مقابلة ويجلسون بين ايديهم بكل خضوع. ولا يجوز لاحد من هؤلاء الرؤساء ومن تحت ايديهم من الكهنة والشيوخ ان يتعاطوا الصناعات والتجارات والاعمال العامة التي يتعاطاها العلمانيون مما يحط من منزلتهم الدينية. ولهم دور خاصة يقيمون فيها ويطوفون على الرعية متفقدين شؤونها وهم الذين يقضون بين الشعب في دعاويهم الدينية والمدنية وما زال زمام القضاء بيدهم الى اواسط النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ومن علامات الدروز المعنوية الامتناع عن تناول المسكرات والتبغ بانواعه والاكل من مال الاوقاف والاكليروس والحكام والامراء فلا يأكلون من طعامهم ولا من خدمهم ولا من طعام عرفوا انه حمل على دابة مشتراة بمالهم ويستحلون اموال التجار وكانوا قديما ً يسألون عن سبب تحصيله ثم تركوا هذه العادة فاذا حصل بايديهم مال اعتقدوا حرمته استبدلوه بمال التجار ويتنزهون عن الكلمات البذيئة ويبتعدون عن الاسراف والملاهي واخذ الربى فلذلك مالوا الى الزراعة واعرضوا عن التجارة وتبعهم قومهم. ولهم رموز في كتبهم ورسائلهم لا يفهمها من لم يكن منهم ولهم اربع وخمسون فريضة اوجبوا على ابناء ملتهم التمسك بها واحترامها ولا سيما السجل الذي كتبه الشيخ حمزه بن علي بن احمد العجمي الملقب بالهادي وعلقه على باب الجامع في مصر وذلك بعد وفاة الحاكم في اوائل القرن الخامس للهجرة. واول من جلبه من مصر الى خلوات سورية ولبنان الشيخ ابو علي مرعي حمادة الشويزاني جد آل حمادة في بعقلين لانه رأى تفشي تناول المسكرات في قومه واقتراف بعض المنكرات فاراد تأديبهم به. ومن خالف الواجبات او ارتكب جريمة كالقتل ونحوه عاد جاهلا ً. واذا تزوجت ابنة عاقل بجاهل صارت جاهلة الا اذا استطاعت ان تنظم زوجها في سلك العقلاء بارشاداتها. والجاهلة اذا تزوجت عاقلا ً فان اقتفت خطته صارت عاقلة مثله. ويترشح الجهال للتعقل نحو سنتين باستجلاب رضى الموحدين. ويجتمعون كل جمعة ليلا ً في الخلوة اسبوعيا ً. وقد يجتمعون في احد بيوتهم. وفي لبنان شيخان للعقل احدهما يزبكي والثاني جنبلاطي للحزبين المشهورين فيه ولا فرق بينهما بالملابس والتكاليف واجراء الواجبات. والعقال طبقتان احداهما خاصة وهي التي عرفت واجباتها كل المعرفة ووقفت على اسرار الدين. والثانية التي عرفت بعضه فقط. ومنهم من تبتل طول عمره ولم يأكل لحما ً سحابة الحياة وصام كل يوم.

ولهم عادات خاصة توارثوها في معاملاتهم التي تخالف الشريعة احيانا ً فهي عرف عندهم ولذلك اقيم لهم قضاة مذهب او قاض واحد يتداول مع شيخ العقل بفض دعاويهم. ومن معلاتهم الخاصة ان يوصي الميت بجميع ماله لاحد اولاده ويحرم الباقين من ميراثه اذا كان ماله من كسب يده ولكن اذا كان مما ورثه عن اسلافه فلا يسوغ له ذلك. ومنها ان المرأة لا ترث شيئا ً من دار ابيها. ولا يرثون منها لقطع العلاقات بين الاسر بالتركات. ويجوز لشيخ الخلوة او المجلس ان يقضي ببعض الدعاوى بعد استئذان قاضي المذهب وشيخ العقل. وكثيرا ً ما يطرد شيخ الخلوة من ثبت عليه ارتكاب ذنب فلا يدخلها مدة تأديبا ً له. وهو الذي يعقد الخطبة والزواج ويقوم بالواجبات للميت ويجوز له ولغيره الطلاق عند ثبوت جرم موجب والتزوج الى اربع نساء او اكثر بشرط ان لا يجمع بين اثنتين كما مر في باب الخطبة.

اما شؤونهم مع رؤسائهم المدنيين اي حكامهم وزعمائهم فان حاكم البلاد ينتخبه الامراء والمقدمون والمشايخ ويقدمونه الى والي المعاملة الاعلى فيثبته او يرفضه. وعلى الاول ان يخلع عليه وعلى الثاني ان يعيده لينتخبوا غيره اذا كان له اعتراض مشروع. وكان طالب الحكم في لبنان يقدم للجزار ستة من جياد الخيل بعددها الفضية وخمسين الف غرش خدمة ليوجه اليه الخلع والتقليد (الشرطنامه). وكثيرا ً ما ينال الحكم من فضلت هديته على غيره. وكان لبنان يدفع الى خزينة الولاية قبل الدولة المصرية الفين وثلاث مائة كيس كل سنة فصار يدفع بعهدها اربعة آلاف كيس.

والحاكم هو الذي ينتخب الاقطاعيين بحسب ما يراه مناسبا ً ويوزع الضرائب والاعانات والاموال المفروضة على الاعناق والعقارات ويجند الجنود ويجيي الاموال ويتصرف كما يشاء بزيادة الضرائب والوزائع او تخفيضها. واذا وقع خلاف بين رئيسي مقاطعتين وجب على رجل كل فئة ان تتجند على نفقة نفسها.

ولبنان هو اشد البلدان حرصا ً على حفظ حقوق العشائر التي هي اعظم قدرا ً واشد بأسا ً واوسع تسلطا ً ممن يجاوره من جبل عامل ووادي التيم وبعلبك وعكار وصافيتا وما يليها.

وجرت عادة الامراء الشهابيين ان ينفذوا في الجميع امرهم ونهيهم بدون معارضة فلا يكبر كبير عن خدمتهم ولا يتجاسر احد ان يرد في وجوههم ولا يستطيع احد مقاومتهم وهكذا الحال في من كان من حزبهم وينتمي اليهم وله كلمة نافذة عندهم. فاذا اراد احد من المناصب مقاومة الحاكم الشهابي احتالوا لذلك بان يستصحبوا احد انسبائه ولو كان صبيا ً لتكون المقاومة باسمه. وهم الذين اطلقوا الامارة على اللمعيين والمشيخة على غيرهم في موقعة عين دارة وما بعدها فنشأ بارادتهم المشايخ وعرفوا بألقابهم ونالوا اقطاعاتهم وتوازعوها. ولهم اليد الطولى في تعزيز لبنان واماتة التحزب الوطني الذي كاد ينهكه وقربوا اليهم العلماء والشعراء والكتاب فأنشأوا امارة كانت اشبه بامارة الامراء المعنيين صولة ً وعزا ً.

ولقد مر في صدر هذه المقالة اصطلاحاتهم في مقابلاتهم ومكاتباتهم وشؤونهم فراجعها.

شؤونهم مع شيوخهم واصحابهم ومواطنيهم

لقد عرفت المقاطعات بحكام توارثوا ادارتها منذ القديم فوجد المشايح بنو حيمور في البقاع وبنو الخازن وحبيش والدحداح في كسروان وبنو حمادة الشيعيين في بلاد جبيل وبنو الظاهر في الزاوية.

ولكن توزيع الاقاليم عليهم كان هكذا: الاقاليم يتولى امرها المشايخ الجنبلاطية وكسروان بنو الخازن والكورة بنو العازار والزاوية بنو الظاهر. والمتن الامراء اللمعيون. والبقية يقيم الحاكم عليها من يشاء لخدمته الا البقاع وجبل الريحان فانه يتولى ادارتهما بنفسه. والسكان مختلطون من جميع الطوائف ولكنهم يتميزون بالسمية.

والسمية او العهدة في عرفهم هي الانتماء الى امير او مقدم او شيخ من اصحاب الاقطاع او من ذوي الكلمة النافذة فترى المنتمي يتفانى في ارضاء صاحب العهدة وذاك يحرص عليه فيحفظه ممن يعتدي عليه ويفرض عليه مالا ً. ويؤازره بغايته ويخلع عليه في الدواعي الخاصة كما مر بك. واذا غضب على احد لمخالفته فلا يستطيع التخلص منه الا بأن يلتجىء الى زعيم آخر يتجاسر على مقاومة ذاك. فهكذا نشأ اللبناني نزوعا ً الى موطنه حريصا ً على ارضاء زعيمه محترما ً لحقوق جاره.

فاذا استنفر الامير الشيخ واستنفر هذا اهل عهدته ومحالفيه تراهم اطوع من بنانه ولقد عرفوا في مواقعهم الكثيرة ببسالتهم واتحادهم وشهد لهم كبار الحكام كعبد الله باشا والي عكاء وابراهيم باشا المصري وغيرهما. واذا انتقضوا على الحاكم او الشيخ تراهم كما كانوا معروفين بحلو الصداقة انقلبوا الى مر العداوة.

وكان من عادة الاقطاعيين ان يسخروهم في الاشياء العمومية التي يسترضون بها الحاكم العام او الامير الخاص او انفسهم وآخر ما عرفناه من ذلك تسخير جميع سكان لبنان لبناء قصر بيت الدين وجر قناة نهر الصفا اليه فبقوا اثنين وعشرين شهرا ً يشتغلون وكذلك كان الحال في استخراج الفحم الحجري من مناجم قرنايل وغيرها واستخراج الحديد واشباه هذه الاعمال.
وهم موالون لأصحابهم ومواطنيهم محافظون على المودة والمبدأ حتى انهم يقولون: "صاحبك اللي بدك تماسيه وتغاديه كيف بدك تعاديه" و"جارك القريب خير من خيك البعيد" و"صاحبك ان كان عسل لا تلعقه كله" و"من اخبر بدارك ربك وجارك" و"ما تجاورنا تاتشاورنا" و"صباح الخير يا جاري انت بدارك وانا بداري". و "نحس تعرفه ولا جيد تتعرف عليه".

وطالما سمعنا من آبائنا ومن تقدمهم ان الاصحاب والجيران يحافظون بعضهم على بعض في ايام الوقائع التي تحدث بين طوائفهم المختلفة او احزابهم ولا يغدر احدهم بالآخر بل يحمي عرضه ودمه ويحافظ عليه محافظته على نفسه مما يدل على طيب الاعراق وكرم الأرومة ولا سيما عند الدروز المعروفين بآداب الصداقة وشهامة النفس.

واذا تآخى اثنان او اكثر ولو من طوائف متباينة توارث اولادهم تلك المودة فيبقون على عهود اسلافهم مهما حدث بينهم من الضغائن الجديدة وهي عادة غريبة فاشية في لبنان الجنوبي خاصة. وكثيرا ً ما يقول الواحد منهم للآخر اخي او ابن عمي مع تباين النسب.

 

 


Panoramic Views | Photos | Ecards | Posters | Map | Directory | Weather | White Pages | Recipes | Lebanon News | Eco Tourism
Phone & Dine | Deals | Hotel Reservation | Events | Movies | Chat |
Wallpapers | Shopping | Forums | TV and Radio | Presentation


Copyright DiscoverLebanon 97 - 2020. All Rights Reserved


Advertise | Terms of use | Credits