الآثار القديمة في لبنان- منشورات الجامعة اللبنانية
ان موقع لبنان على مقربة من البحر المتوسط في احدى مناطق
الارض المعتدلة الهواء المستوقفة اليها ابصار الشعوب لما
تشمله من مرافق الحياة وطيب المعاش قد كان داعيا ً الى ان
تقاطرت اليه الامم وازدحمت فيه السكان في سائر اطوار
الزمان. وذلك ايضا ً ما حدا بالدول الفاتحة الى ان تطمح
اليه بالنظر لتستولي عليه وتضمه الى املاكها. على ان اولئك
الفاتحين الذين بسطوا حكمهم على لبنان وضواحيه واورثوه
سلالتهم دارت عليهم دوائر الدهر فقام في اثرهم دول جديدة
ضبطت بعدهم ازمة الامر. لكن الامم البائدة لم تتوار دون ان
تخلف للواردين على عقبها شيئا ً من آثارها المنبئة بعظم
اعمالها وسمو مقامها.
1- الآثار الظرانية في لبنان
ولا مراء ان تلك الآثار كانت وافرة عديدة لا يكاد يفي بها
الاحصاء غير انه لسوء الطالع قد أخنى الدهر على القسم
الاكبر منها. وانما كان سبب ذلك الدمار توالي الدول
وتعاقبها في غزو لبنان وربما قامت الدولة الجديدة فأبادت
ما شيدته الدولة السابقة أما بغضا ً لها ومحوا ً لآثارها
واما التماسا ً لمواد ابنيتها لحاجتها اليها لتشيد بها
مباني اخرى اوفى بمرامها. ومن ثم ترى ما صبر من تلك الآثار
السالفة على آفات الدهر قليلا ً جدا ً بالنسبة الى ما تلف
منها ودخل في خبر كان.
ومرادنا في هذه النبذة ان نتتبع ما بقي من الآثار المذكورة
ونجمل فيها القول على حسب ترتيب الازمنة وكرور الدهور.
ان سرحنا البصر في انحاء لبنان لنستدل على اموره واحكامه
في الازمنة الاولى السابقة للتاريخ ثبت لنا ان اول من
استوطن لبنان وسفوحه قبائل همجية كانت تسكن اولا ً في
براري بلاد الجزيرة. فلما قويت شوكة ملوك بابل واتسع نطاق
دولتهم عمدوا الى محاربة تلك القبائل فاندحرت وتقدمت الى
الغرب وحطت رحالها في نواحي بلاد الشام وسواحل البحر
الابيض المتوسط. وكانت عيشة اولئك القوم في همجيتهم ساذجة
ًفطرية فكانوا يأوون الى الكهوف والمغاور في ايام الشتاء
ويعيشون في بقية فصول السنة تحت القبة الزرقاء أو ينصبون
لهم خياما ً من اغصان الشجر او جلود الحيوانات.
وليست تلك الازمنة خالية ً من الآثار ألا وهي عين الكهوف
التي سكنوها ومنها في اغوار لبنان وسواحله عدد عديد وجدوا
فيها بقايا اطعمتهم وهي عظام الحيوانات التي كانوا
يقتنصونها فيقتاتون من لحومها. وتلك الحيوانات منها ما هو
معروف كالغزلان والايل وحمار الوحش ومنها ما هلك جنسه
فاصبح اثرا ً بعد عين كصنف من البقر البري المحدودب وغيره.
ومن تلك الآثار مدافن لموتاهم كانوا يقبرونهم غالبا ً في
مغاور او كهوف ينقرونها في جدران الصخور او يحفرونها في
اعماق الارض على شكل الآبار فيعرضون فيها موتاهم على دكك
او ينزلونهم في اجران مربعة الزوايا مستطيلة متقاربة ثم
يدحرجون الحجارة الضخمة على باب المدافن او فوهة الآبار.
واخص تلك الآثار ما يعرفه العلماء بالظران وهي الحجارة ولا
سيما الصوان الذي اتخذه اهل تلك الأجيال القديمة قبل
اكتشافهم للحديد فاستحضروا منه الادوات المختلفة لسد
حاجاتهم كالصيد والقنص ومحاربة الاعداء والدفاع عن نفوسهم.
وقد حد دوا الصوان وعظام الحيوانات وجعلوها على اشكال شتى
وفقا ً لغاياتهم. والباحثون عن عاديات الشام وجدوا في
لبنان وسواحل فينيقية عدة مصانع كانوا يصطنعون فيها تلك
الادوات الحجرية وهم يقسمونها الى طورين طور الحجارة
المنحوتة وطور الحجارة الصقيلة.
طور الحجارة المنحوتة – وجد ارباب العاديات من هذا الطور
الاول سبع محطات في لبنان 1) اولها جنوبا ً محطة عدلون في
منتصف الطريق بين صور وصيداء فهناك مدفن غاية في القدم
وجدت فيه آثار البشر الاولين في فينيقية. 2) واذا سرت
شمالا ً على سيف البحر بلغت الى سهل في لحف الجبل قريبا ً
من عين القنطرة عند جدول ينصب في البحر ويدعى جدول عقبيه
اتخذه الآدميون الاولون كمقام لسكناهم في فينيقية ولتهيئة
ادوات الظران 3) ثم تسير الى بيروت فتجد عند نهرها قريبا ً
من الجسر الحالي محطة ثالثة لاستحضار الظران 4) واذا قطعت
من الساحل نحو 15 كيلومترا ً انتهى سيرك الى قرية انطلياس
حيث وجدت مغارة كبيرة واقعة في مدخل وادي هذه البلدة كانت
مستودعا ً غنيا ً لظران الاقدمين 5) ثم سر من هناك نحو
اربع ساعات فتصادف نهر ابراهيم وبجواره مغاور كانت معامل
للظران. 6) وكذلك عند البترون شمالي القرية نهر يسمى نهر
الجوز ففي غور واديه على الطريق المؤدية من كفرحي الى
كفتين صخر يمتد كالرواق تحته مغارة مكشوفة الجوانب اصطنع
فيها قدماء اهل لبنان ظرانهم المنحوت. 7) وآخر محطة للظران
المذكور ضفة نهر ابي علي قريبا ً من طرابلس. ففي كل هذه
المقامات وجد الاثريون شيئا ً كثيرا ً من الظران.
اما اشكال الظران المذكور الذي وقف عليه اصحاب الآثار فهي
عبارة عن قطع مختلفة الطول والعرض والغلظ من الصوان او
العظم نحتت بمطارق من الحجارة الصلبة البركانية فحددوا
رؤوسها ونحتوها على اطرافها وجوانبها وجعلوا بعضها شفارا ً
ومدى ً وبعضها مجارف ومساحي وغيرها محاك ومنها ما جعلوه
نصولا ً. ومنها ما يرى كالمخارز او المناشير. وفي الكلية
اليسوعية مجموع كبير منها كلها وكذلك عند الاثري الاسوجي
المسيو رودلف في الضبيه. وفي كل هذه المحطات ركام من عظام
الحيوانات التي كانوا يأكلون لحومها فيقطعونها بالادوات
الظرانية المذكورة.
طور الحجر الصقيل من الظران – ذهب العلماء اولا ً ان لبنان
يخلو من الظران الصقيل فانكروا وجوده فيه بيد ان المحدثين
منهم تحققوا بعد البحث المدقق بطلان هذا الرأي اذ وجدوا في
عدة امكنة منه امثالا ً دالة على حذق صانعيها ومما يمتاز
به هذا الطور ان ادواته مع نحتها كالظران السابق وصفه صقلت
صقلا ً محكما ُ. ويلحق بهذا الطور قطع خزفية غير محكمة
العمل تزينها نقوش بسيطة تنبىء بجهل اصحابها بفن التصوير.
وطور هذا الظران اقرب عهدا ً الينا من الظران المنحوت.
وقد وقف العلماء المحدثون على ست محطات اصطنع فيها قدماء
الفينيقيين صقيل الظران ووصفها في مجلة المشرق الاب وموفن
استاذ الطبيعيات في كلية الآباء اليسوعيين في بيروت: 1)
اولها جنوبا ً محطة نهر الزهراني على بعد ساعة من صيداء.
2) ثم مصنع رأس بيروت قرب الاوزاعي جنوبي غربي المدينة عند
طرف رباها الرملية. 3) ثم محطة رأس الكلب بجوار نهر الكلب
قريبا ً من كتابات وتصاوير قدماء المصريين والبابليين
المشرفة على النهر فهناك ركام من الظران الصقيل مع بقايا
كثيرة من عظام الحيوانات المكسرة التي اقتاتوا من لحماتها.
4) وفي جعيتا عند المغاور التي تنبجس منها مياه نهر الكلب
على مسافة سبعة كيلومترات من مصبه في البحر. 5) ثم مغارة
المعتملتين عند الجسر الروماني الباقية آثاره هناك على
طريق الساحل شمالي جونية. 6) واخيرا ُمحطة حراجل بين
ميروبا وفاريا ً قريبا ً من منبع نبع العسل الشهير في لحف
جبل صنين.
وفي كل من هذه المحطات الست عظام حيوانات كان يصطادها اهل
تلك الازمنة البعيدة ليغتذوا بلحمها. وفي جملتها عدة احجار
صوانية منحوتة اتخذوا منها ادورت شتى كالفؤوس والازاميل
والمثاقب والمقاطع والمقاشط والمناشير والمخارز والسهام
والشفرات وسنن الرماح. وترى معها ادوات الصقل التي كانوا
يستعينون بها لعملهم. وربما وجدت مع هذا الظران قطع من
الخزف المعاصر له غير محكم الصنع.
هذا ما خلفه اولئك الاقوام في سالف اعصارهم الخالية وهي
تنطق بلسان حالها عما بلغوه من النشاط وما امتازوا به من
البأس والمراس وكيف اهتدوا بعقلهم الصائب الى تلك الادوات
الكافلة بمعاشهم فتمكنوا من الحيوانات الضارية فردوا عنهم
اذاها واتخذوها ما كلاً. واما تعريف زمن تلك الادوات
وتاريخ اصحابها فلا سبيل الى الوقوف عليه.
ويجوز ان نلحق بهذه العاديات السابقة للتاريخ اجساما ً
آلية من نبات او حيوان قد تحجرت بكرور الاجيال فبقي منها
في انحاء لبنان شيء كثير يسر بجمعه ارباب علم الطبقات
الارضية. وفي متحفي الكليتين اليسوعية والاميركية اجناس
شتى من هذه المتحجرات منها نباتية ومنها حيوانية على شبه
الاسماك يرى منها حتى اليوم في ساحل علما وفي جديدة عرمون.
2- الآثار اللبنانية الكنعانية
ان اقدم الشعوب التي افادنا التاريخ عن سكناهم في لبنان
وسواحل بحره هم الكنعانيون بنو كنعان بن حام بن نوح وبهم
دعيت فينيقية من الجبل المشرف عليها باسم بلاد كنعان. وكان
المصريون يسمون الكنعانيين يوني او فوني ومن هذا الاسم
اشتق اليونان اسم الفينيقيين ودعوا بلادهم فينيقية ثم
زعموا ان اللفظة يونانية "فوينيكس" معناها النخل فقالوا ان
فينيقية يراد بها بلاد النخل لكثرته في سواحل بحر الشام.
وكان الكنعانيون يسكنون اولا ً في الجزيرة اي بلاد ما بين
النهرين ثم قويت دولة الكلدان الاولين واتسعت فدحرهم
ملوكها فتقدموا زاحفين شيئا ً فشيئا ً الى الغرب حتى بلغوا
سورية واحتلوا جبالها وضربوا خيامهم في سواحل بحرها
المتوسط بعد ان غلبوا سكانها الهمجيين الاولين. ثم اختلطت
ببني كنعان قبائل آرامية منسوبة الى آرام آخر اولاد سام بن
نوح دحرت مثلهم من الجزيرة الى جهات الشام. وكانت لغة بني
كنعان العبرانية ولغة الآراميين السريانية.
والى هذه العناصر الاولى من الفينيقيين ترتقي آثار عديدة
تنبىء بتمدن ذلك الجيل ورقيهم في الفنون والصنائع اخصها
تلك المدن الممصرة التي تزين حتى يومنا سواحل الشام كجبيل
وبيروت وصيداء وصور. ولقدم هذه المدن وعروقها في ظلمات
التاريخ زعم الكتبة الاقدمون ان بناتها آلهة ليسوا بشرا ً
وذلك مذهب أول من سطر تاريخ فينيقية وهو سنكن يتن البيروتي
الذي ازهر في اواخر القرن الرابع قبل المسيح وكان كاهنا ً
لاحد معابد الآلهة في جبيل. فهذا صنف تاريخا ً لاوطانه
ضمنه كثيرا ً من التقاليد القديمة نقلها عن سجلات الهياكل
الوطنية وعن نقوش جدرانها. على انه لسوء الطالع قد فقد
القسم الاكبر من هذا التاريخ ولم يبق منه سوى مقاطيع
منثورة استعارها الكتبة من بعده كفيلون الجبيلي ونيقولا
الدمشقي واوسابيوس القيصري وبرفيريوس الصوري. منها يتضح ان
في عهد سنكن يتن كان اصل مدن فينيقية مجهولا ً منسوبا ً
الى بناة عريقين في القدم جعلوهم من عداد الآلهة. لكن هذه
الاساطير المختلفة والخرافات الموضوعة لا تخلو من حقيقة
تاريخية منها يستدل على أن تلك المدن متوغلة في القدم يصح
نسبتها الى اولئك الكنعانيين الاولين الذين تعلموا من
الكلدانيين فن البناء فتقلدوه في مواطنهم الجديدة. وقد
اثبت العلماء ان في تلك المباني القديمة عدة خواص متشابهة
بابنية الكلدان.
ثم اكتشفت قبل ثلاثين سنة رسالات تل العمارنة في مصر في
الفيوم وهي كتابات باللغة الفينيقية القديمة مكتوبة بالقلم
الاشوري ارسلها امراء سواحل الشام الى سادتهم فراعنة مصر
في القرن الخامس عشر قبل المسيح ليطلعوهم على احوال بلادهم
فوجدوا فيها دلائل ساطعة على الآثار الفينيقية. من قصور
وحصون وعمارة سفن بحرية جهزها اهل فينيقية في تلك الاعصار
البعيدة. ولا غرو ان تلك الآثار الفنية الاولى شيد
الفينيقيون معظمها لمناسكهم الدينية لاكرام آلهتهم كمعابد
وانصاب وتماثيل لعب الزمان باكثرها فتلفت.
وقد بقي منها في لبنان قرية غينة قريبا ً من كفور في
مقاطعة كسروان على صخر هناك صورة الههم تموز او ادونيس
الذي قتله خنزير بري اذ خرج للصيد فيرى الاله مقاتلا ً
لوحش ضار يهجم عليه. وبقرب هذه الصورة صخر آخر يمثل امرأة
ً وهي الزهرة او عشتروت تبكي على ادونيس عشيقها. وكان
قديما ً لاهل جبيل موسم سنوي في اوائل الربيع يبكون فيه
على تموز ويحمل كهنتهم تمثاله في موكب عظيم الى نهر ادونيس
وهو نهر ابراهيم فيلقونه في مياهه. ثم يعودون به فرحين الى
مدينتهم كأنه الاله خرج من المياه بحياة جديدة منبعثا ً من
الموت.
3- الآثار المصرية في لبنان في عهد الفراعنة
ان الكنعانيين والآراميين المستعمرين في سورية ولبنان لم
يذوقوا طويلا ً هناء الحرية والاستقلال ويؤخذ من كتابات
الاشوريين والكلدان الاولين انهم اغاروا على لبنان وبسطوا
عليه وعلى سائر سورية سيطرتهم في الالف الثالث الى اواخر
الالف الثاني ق.م. وقد روت التوراة في سفر التكوين احدى
غزواتهم لفلسطين في عهد ابراهيم الخليل. ومن ذاك الحين غلب
في القطر الشامي اسم سورية اقتضبوه مع تخفيفه من اسم
اشورية. اما آثار ذلك الجيل القديم فمطموسة غالبا ً لم يبق
منها الا النزر القليل لا سيما لهجتهم الكنعانية التي
امتزجت باللغة الاشورية.
وفي القرن السادس عشر قبل المسيح قويت شوكة المصريين فاخذ
الفراعنة يطمحون بابصارهم الى الاصقاع الواقعة شمالي
بلادهم كجزيرة العرب وفلسطين وسورية فسار تحوتمس الاول الى
القطر الشامي فدوخه وافتتحه افتتاحا ً يسيرا ً ثم عاد اليه
خلفاؤه امينوفيس الثالث وامينوفيس الرابع من السلالة
الثامنة عشرة فثبتوا عليه سلطتهم. وقد اشتهر بعدهم رعمسيس
الثاني المعروف عند اليونان باسم سيسوستريس فزحف الى سورية
وذلل المناصبين لدولته وتوغل في البلاد حتى بلغ قيليقية
وسهول الفرات. ولنا على حلوله في سواحل لبنان اثر جليل في
الصخور المطلة على نهر الكلب فان صورته هناك منقوشة على
احد انصابه. تراه قائما ً في ثوبه الملوكي بازاء معبوده "راع"
ساجدا ً له وفيه كتابة هيروغليفية تتضمن وصف فتوحات
الفرعون وغزواته العديدة. وفي المكان عينه نصب آخر يمثل
بعض الفراعنة مع الاله عمون ورقيم هيروغليفي مطموس. ولعل
الفرعون هو تحوتمس الثالث الذي جرى مجرى رعمسيس فغزا مثله
بلاد الشام.
ومما تحققه الاثريون ان كثيرا ً من العاديات الفينيقية في
مدة تملك المصريين على الشام حتى الطور اليوناني قد تقلدها
الفينيقيون عن العاديات المصرية فترى في هندسة معابدهم وفي
نحت تماثيلهم ونقر مدافنهم ونواويسهم وفي اسلحتهم وحليهم
ومصاغاتهم وازيائهم عدة خواص امتازت بها الآثار المصرية.
وقد وصف رينان في كتاب بعثة فينيقية عددا ً وافرا ً من تلك
التقليدات المصرية في لبنان كالكرة المجنحة بين الحيتين
الرمزيتين (Uraeus) وجدها في قرية اده على عتبة هيكل
فينيقي وفي جبيل وصور وصيداء وكتمثال الاله عتور المصري
وجد في جبيل والاله انوبيس او طوث والبقرة المقدسة ابيس (Apis)
وصور ابي الهول في مدافن صيداء وكأبنية شتى على مثال
الهندسة المصرية في ام العواميد جنوبي مدينة صور.
ومن الآثار الحرية بالذكر نصب عظيم وجد على صخر في جبيل
يمثل احد الفراعنة على جبهته الحية الرمزية وامامه الالهة
ايزيس المصرية التي تحييه بالتقبلة وعلى رأسها القرص
الشمسي مع قرني بقر كما كانوا يصورونها في مصر. وهذا النصب
من آثار الصناعة الوطنية ولعله كان في هيكل شيده المصريون
في جبيل لاكرام تلك الالهة. وقد ذكر المؤرخ بلوتركس
اليوناني هيكل ايزيس الجبيلي واتسع في وصفه. اما صورة
النصب فترى رسمها في بعثة فينيقية.
وقد سبق لنا ذكر المراسلات المكتشفة في دفائن تل العمارنة
وهي لعمري اثر نفيس يفيدنا عن احوال فينيقية في ايام موسى
النبي ويصرح عما كان للفراعنة من السؤدد والسيطرة على
فينيقية. وهذه المكاتبات لعمال وطنيين يدعون خزانو كان
ملوك مصر ولوهم على مدن فينيقية واشترطوا عليهم ان يذبوا
عن حوزتها ويردوا عنها غارات العدو. ففي هذه الرسالات التي
حرروها بلغتهم الفينيقية والحرف المسماري يعرضون على
مواليهم ما يصنعون ليقوموا القيام الحسن بمأموريتهم في كل
مدن السواحل وعلى الخصوص جبيل وبيروت ؤيعلمون الفراعنة بما
يقع في جهاتهم من الحوادث ويوقفونهم على ما يتهددهم من
الاخطار ليكون ملوك مصر على بينة من امور رعاياهم. وكثيرا
ً ما يذكرون الاساطيل التي عمروها بحرا ً لخدمة اربابهم
على سواحل الشام ومصر.
وسبق هذه الآثار كتابة هيروغليفية يرتقي عهدها الى السلالة
المصرية الثانية عشرة وهي لاحد السياح المصريين الذي قدم
الى بلاد الشام ليتفقدها ثم دون تفاصيل رحلته في رقيم وجد
في دفائن مصر وهو اليوم مصون في المتحف البريطاني في لندن
وصاحبه يذكر المدن التي زارها في سفره مباشرة ً بالمدن
الداخلية من فلسطين وسورية الى حلبون وهي حلب الشهباء ثم
يعود معرجا ً على المدن الساحلية شمالا ً فجنوبا ً فيعددها
ويخصص بالذكر جبيل وبيروت ثم صيدون ثم صرفت. 4- الآثار
الأشورية
في لبنان