Saladin - military campaign against the Crusader

صلاح الدين - بطل الحروب الصليبية – مقتطف من كتاب صانعو التاريخ العربي للدكتور فيليب حتي

في نفسي متى ما يسر الله تعالى فتح بقية الساحل، قسمت البلاد، وأوصيت، وودعت، وركبت هذا البحر الى جزائره، واتبعتهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت.

صلاح الدين الأيوبي

بدأت ردود الفعل بين الشرق الأدنى والغرب في عصور مبكرة واستمرت زمنا ً طويلاً. ولا يسعنا القول انها انتهت.

بدأت سلسلة المنازعات بين الشرق والغرب في عهد داريوس واحشويرش عندما هاجما موطن الاغريق على الأرض الأوروبية. وأعاد الزيارة لهما الاسكندر المقدوني، ومن بعد خلفائه جاء الرومان، الغربيون منهم والشرقيون (الروم). ثم بدأت السلسلة الثانية من المنازعات بين الشرق والغرب بظهور الاسلام، وشعاره نشر الدين الجديد. وقد قضى الاسلام على السيطرة الغربية التي دامت ألف سنة في هذه المنطقة، وراح يهدد أوربا في مؤخراتها من الأندلس العربية، وفي اواسطها من صقلية، وفي مقدمتها بواسطة السلاجقة الذين كانوا يطمعون بالاستيلاء على القسطنطينية. فكانت ردة الفعل حروبا ً قام بها أناس من أوربا يحملون صلبانا ً خيطت الى ملايسهم.

واذا كان الصليبيون قد أحرزوا بعض النصر واستولوا على مقاطعات فقد كان ذلك في المرحلة الأولى من سنة 1097-1144. في هذا النصف من القرن أسس الصليبيون امارة ايدسا وهي الرها (اورفا الحديثة) وانطاكية، وطرابلس، وأهمها مملكة القدس اللاتينية. وقد جاء الانتصار الذي أحرزه الصليبيون نتيجة لضعف المقاومة التي لاقوها أكثرمما كان نتيجة لقوة الغازين ومهارتهم. فقد كانت منطقة الشرق الأدنى مجزأة بين السلاجقة والأتراك والعرب، يحكمهم سلاطين وأمراء وزعماء يهتمون، أول ما يهتمون به، مصالحهم الشخصية، لا مصالح العامة من الناس. ولم تكن نهاية الصليبيين على يدي عربي، ولا على يدي أحد من الخليفتين آنذاك: الخليفة العباسي في بغداد، والخليفة الفاطمي في القاهرة. بل جاء النصر على يدي زنكي التركي أتابك الموصل، ذي العينين الزرقاوين. تحت وطأة ضرباته الشديدة راحت تلك الامارات الدخيلة التي أنشأها الصليبيون تتفكك وتسقط الواحدة تلو الأخرى. وقد وجه أولى ضرباته الى الرها فسقطت سنة 1144، فكانت أول امارة صليبية انشئت وأول امارة صليبية استردت. وتابع نور الدين بن زنكي انتصارات أبيه التي أحرزها للمسلمين. فانتزع دمشق من أيدي السلاجقة (1154) وأسس له ملكا ً مستقلا ً من دمشق عبر حلب الى الموصل. وكانت هذه الدولة مستقلة بالفعل، ولكنها كانت تعترف بسلطة العباسيين الاسمية. وبسقوط دمشق زال آخرحاجز كان يحول بين المنطقة الزنكية وبين المملكة اللاتينية في بيت المقدس.

وخلف صلاح الدين نور الدين في الزعامة والدفاع عن الاسلام. وينبغي اعتبار صلاح الدين، من جميع الوجوه، أعظم الأبطال الذين حاربوا الصليبيين بمن فيهم بيبرس أحد المماليك، مع العلم أنه ظهر على المسرح في الطور الثالث من الحملات التي شنها المسلمون. ان تفوقه ونبله كرجل وكبطل، سواء أكان ذلك في الحرب أم في السلم، أمر يشهد له به الأصدقاء والأعداء. لقد عفى النسيان ذكرى عدد كبير من أبطال المسلمين، ولوث البحث التاريخي الهالة التي كانت تجلل هامات أبطال آخرين، ولكن الزمن والبحث التاريخي قد أضفى على ذكرى صلاح الدين شرفا ً على شرف ونبلا ً على نبل. في أثناء صراع عرب فلسطين ضد الدولة المنتدبة كانوا يلقبون الزعيم الوطني منهم ب "صلاح الدين". والمصريون يلقبون زعيمهم ب "صلاح الدين" وكثير من الذين كتبوا سيرة حياته يلقبونه بالبطل الخالد. وكاتب فرنسي يصفه:

Le plus pur héros de l’Islam وقبره الى جني المسجد الأموي في دمشق قبلة أنظار لسياح لتلك المدينة.

-1-

ولد يوسف - وقد اشتهر بلقبه صلاح الدين - في تكريت، وهي حصن على دجلة بين الموصل وسامرا، سنة 1138 من أبوين كرديين. وكان أبوه نجم الدين أيوب قائد حامية القلعة. وكان عمه أسد الدين شيركوه قائدا ً في جند نور الدين. وبعد مولد صلاح الدين بوقت قصير انتقلت العائلة الى بعلبك (1139) اذا ان زنكي كان قد عين أيوب، أبا صلاح الدين، واليا ً على المدينة وقائدا ً للحامية في القلعة. وهذه القلعة كانت في الأصل هيكلا ً رومانيا ً بناه الأباطرة الرومان السوريون في القرن الثالث للميلاد. وكانت المدينة غنية بالمياه والجنائن، حتى انها كانت تشبه بدمشق. وبعد انقضاء خمس سنوات، عندما استولى نور الدين على دمشق، عين أيوب واليا ً عليها، وشيركوه قائدا ً للجند. فأصبح الرجلان من المقربين كثيرا ً الى السلطان.

في سنة 1164 قدم الى دمشق وزير فاطمي مان قد جرد من وظيفته في مصر، واسمه شاور، فجاء يطلب العون من حكام دمشق. وقد عرض على ولاة الأمر أن يدفع لهم ثلث خراج البلاد بعد دفع نفقات الجيش. فاستجاب السلطان السني الى طلب الوزير الفاطمي، لأنه كان يرحب بمثل هذه البادرة التي توفر له موطىء قدم في بلاد كان يعتبرها خارجة منشقة يتنازعها جماعة من الوزراء المتآمرين على السلطة، كل يحاول أن يصل الى الخلافة، التي كان عليها آنذاك، خليفة صبي يلقب بالعاضد. هذا فضلا ً عن أن احتلال مصر الفاطمية يقوي مركز نور الدين ازاء بيت المقدس الذي كان بيد الصليبيين. فبعث بجند على رأسه شيركوه. وأفلح شيركوه في اقناع ابن أخيه صلاح الدين - وكان له من العمر ست وعشرون سنة - أن ينضم الى قواده. لأن صلاح الدين كان مترددا ً في الأمر. وتبين أن الاستيلاء على مصر الفاطمية كان يتطلب أكثر من حملة عسكرية واحدة. فان شيركوه جرد ثلاث تجريدات، وفي الثالثة أبدى صلاح الدين، البطل الاسلامي العتيد، اعراضا ً عن الحرب أشد من اعراضه في المرة الأولى. ولكن نزولا ً عند أمر السلطان انضم صلاح الدين الى الجند، وكان يشعر كأنه يسير الى مقتله. كان بالامكان أن يظل صلاح الدين كمية مهملة في حسابات التاريخ فلا يعرف فيما بعد في تواريخ أوربا باسمه اللاتيني الشكل Saladin المشهور.

يقول لنا المؤرخون ان السبب في تردد صلاح الدين انغماسه الكلي في الدراسات الدينية. ولكن من بعض الملاحظات التي وردت عن لسان الرجل الذي كتب لنا سيرة حياته، ابن شداد، لنا أن نستنتج أن سبب تردده في الاشتراك بالحرب كان انغماسه بأمور أخرى كالخمرة، والعيش الهانىء. الواقع ان البحوث التاريخية لم تسفر عن اختراق الحجب الكثيفة التي تغلف سيرة حياته الأولى، وما نعرف عنها ليس سوى لمحات خاطفة. ولقد نكون في مأمن من الزلل التاريخي اذا قلنا ان صلاح الدين في نشأته الأولى كان يدرس ما يمكن تسميته بالدروس الكلاسيكية التقليدية في ذلك الزمان: القرآن الكريم، والحديث، واللغة العربية، والبلاغة والشعر. وكشاب نشأ في عائلة بارزة المكانة يجب أن يكون قد مارس الطراد وركوب الخيل ولعب الشطرنج والكرة.

بعد أن أتم شيركوه المهمة العسكرية التي انيطت به عاد الى دمشق ومعه ابن أخيه صلاح الدين الذي اقتنع، في أثناء اقامته بمصر، أن فتح هذه البلاد أمر يسير، لأنها معرضة للسقوط من الداخل. وبعد انقضاء ثلاثة أعوام عندما تحالف شاور الخائن مع أملرك الأول، ملك مملكة بيت المقدس، بعث نور الدين للمرة الثالثة بجيش الى مصر وأمر عليه شيركوه وصلاح الدين. وكان أملر ك، المولود في فلسطين، الملك الثاني على عرش بيت المقدس، وكان أحد الحكام القلائل المقتدرين الذين تولوا شؤون المملكة. كان أملرك يدرك أهمية مصر من الناحيتين السياسية والجغرافية بالنسبة الى سلامة مملكته. هذا فضلا ً عن أنه كان يطمح بخيرات مصر ذات الاقتصاد المزدهر. وهكذا بدأ الصراع بين دمشق وبين مملكة بيت المقدس حول الاستيلاء على الامبراطورية الفاطمية المتداعية. ولم تسفر المعركة الأولى بين الجيشين عن أمر حاسم. ولكن في المعركة الثانية التي نشبت في مكان يدعى البابين على بعد عشرة أميال من المنية، في شهر نيسان سنة 1167، ذاق صلاح الدين طعم الانتصار. فانه أنزل في جيش الفرنج والمصريين هزيمة نكراء تشتت الجيش بعدها وهرب. فسر به شيركوه سرورا ً عظيما ً وأمره أن يتوجه للحال، على رأس قوة، لاحتلال الاسكندرية. وكانت هذه المرة الأولى التي يتسلم بها القيادة مستقلا ً منفردا ً. وفي الاسكندرية أيضا ً برهن عن اقتدار في الحرب. ولكن جيش الفرنج راح يضايقه بمدفعيته وبأعمال حربية أخرى كان يقوم بها الاسطول الذي كان يعضد الفرنج من ناحية البحر، حتى أرغم شيركوه، آخر الأمر، على أن يوقع صلحا ً، وأن يتبادل الأسرى معهم. وبعد ذلك انسحب من البلاد. وقد ادعى الفريقان انهما أحرزا نصرا ً.

بعد ذلك أسرع أملرك في التوجه الى القاهرة متظاهرا ً بأنه يريد جمع الخراج. وينبغي أن يكون قد اقتنع في ذلك الحين بضرورة ابقاء مصر في قبضته حفاظا ً على فلسطين التي كانت بيد الصليبيين. ثم ان تحالفا ً يضم مصر وسورية من شأنه أن يضرب حصارا ً حول المملكة اللاتينية ، وأن يتمكن في الموانىء من قطع الامدادات العسكرية والمؤن القادمة اليهم من الغرب. وحياة هذه المملكة اللاتينية تتوقف على الغرب. في هذه الأثناء أرسل العاضد رسولا ً الى نور الدين يتوسل اليه أن يهب الى نجدته. وقد لبى نور الدين الطلب وأوكل أمر الحملة العسكرية الى شيركوه وصلاح الدين. وفي هذه المرة (1168) كان أسد الاسلام شيركوه قد وطد العزم على أن يقضي القضاء المبرم على عدوه. أما شاور فقد قتل. وفي مطلع شهر كانون الثاني سنة 1169، تولى شيركوه الوزارة، ولكن بعد شهرين من توليه الوزارة توفي، فأوصى بها الى ابن أخيه صلاح الدين. وكان مشهد أقرب الى التمثيلية الايمائية منه الى أي شيء آخر عندما ألقى العاضد على كتفي صلاح الدين وشاح الوزارة ولقبه بالملك الناصر.
ولكن صلاح الدين، الملك الناصر، كان بحاجة الى من ينصره ويشد أزره. فان وضعه كان محفوفا ً بالمشكلات والصعاب. فهو قائد جيش عند سلطان سني في سورية، وفي الوقت ذاته رئيس وزارة في خلافة شيعية فاطمية. وكان حرس البلاط جنودا ً من السودان على أتم استعداد ليعضدوا أيا ً من المتنافسين على السلطة شريطة أن يغدق عليهم العطاء. ولكنهم رأوا في شخص صلاح الدين رجلا ً من غير طينة هؤلاءالذين يخدمونهم. وأخيرا ً فان رفاقه في السلاح لم يهبوا جميعا ً الى نصرته، بل راح بعضهم يبدي شيئا ً من التنكر له والحسد على النعمة التي لاقاها. وكان من اليسير عليه أن يعالج أمرهم. فانه أرضى فريقا ً منهم بالمال والاعطيات والاقطاعات، ورد بعضهم الى دمشق. ثم ان صلاح الدين استدعى أباه وعائلته من دمشق وجعل أباه قيما ً على بيت المال. وكانت المهمة الأولى التي كان عليه أن يعالجها الجيش. كان الجيش المصري يتألف، عدا الثلاثين ألف سوداني، من عدد من الفرسان تحت امرة ضباط مصريين. فلم يتردد صلاح الدين، بل أسرع في انشاء جيش له من السوريين، والأكراد، والمصريين الذين عاهدوه على الولاء، ووضع اخوته قوادا ً على هذا الجيش الجديد. ومما تجدر الاشارة اليه أن غالبية المصريين كانوا سنيين يعتبرون أسيادهم الفاطميين من الخوارج المغتصبين.

وآن أوان القيام بعمل حاسم عندما ألقي القبض على رسول كان قد بعث به الخصي مؤتمن الخلافة وهو في طريقه الى أملرك. وقد لحظ أحد حراس الحدود أن هذا الرسول يلبس حذاء نعله طبقتان، فشك في أمره، وكانت الرسالة السرية التي يحملها بين النعلين. وللحال أمر صلاح الدين بقطع رأس الخصي القهرمان. وعندما ثار أعوان الخصي هاجمهم رجال صلاح الدين وتعقبوهم في جميع أنحاء القاهرة، وهدموا حيهم وأحرقوه وأنشأوا حديقة مكانه. ثم انهم وضعوا قصر الخليفة بحراسة جنود جدد على رأس خصي أبيض اسمه قراقوش. وفي أثناء السنوات الخمس التي تلت كان اخوة صلاح الدين يلاحقون من تبقى من الخونة الى مصر العليا حتى الى النوبة. وألحقوا شمالي السودان بممتلكاتهم الجديدة. وكان صلاح الدين في هذه الأثناء يعيد تنظيم الأسطول، يعاونه في ذلك رجال من القسطنطينية ومن مدن ايطالية. ذلك لأن صلاح الدين أدرك مبلغ العون الذي يمكن للآسطول أن يؤديه في انزال جنود لمهاجمة الموانىء التي كانت بيد الصليبيين.

واستمرت حرب الأعصاب بين الحكم السني الجديد والحكم الاسماعيلي القديم. فعزل القضاة والمعلمون الاسماعيليون، ونصب مكانهم قضاة ومعلمون من السنة. وأسست مدارس جديدة لترسيخ العقيدة السنية. وانشئت دائرة للجواسيس والدعاة. ولم يول على المقاطعات سوى الأقارب والأصدقاء المؤتمنين. واقطع صلاح الدين اقطاعات صغيرة للجماعات الصغيرة في حاشيته التي تنتمي الى أعراق بشرية مختلفة، وذلك للابقاء على شيء من التوازن بينها.

في صيف سنة 1171 وقع الخليفة الفاطمي الحبيس في مرض خطير، مما دعا صلاح الدين لاتخاذ الخطوة الحاسمة التي كانت دمشق، ومن ورائها بغداد، تطلبان اليه أن يتخذها: الغاء الخلافة الفاطمية، والخطبة في صلاة الجمعة للخليفة العباسي. وفي نهار الجمعة الثاني من شهر ايلول قام الخطيب في الجامع وبدلا ً من أن يذكر في الخطبة اسم العاضد ذكر المستضيء بالله. فلم يصدق المصلون ما سمعته آذانهم. وكان المستضيء هو الخليفة العباسي في بغداد.

توفي العاضد بعد ذلك بثلاثة أيام ولم يكن قد عرف ماذا حدث وقيل لمن في القصر: "ان سلم فهو يعلم، وان توفي فلا ينبغي أن تنغص عليه هذه الأيام التي قد بقيت من أجله". ثم ان صلاح الدين وضع العائلة الفاطمية تحت اشراف ومراقبة دقيقين، وفصل بين الذكور والاناث ليتأكد من القضاء على الذرية. وكان الانتقال من الفاطمية الى العباسية يسيرا ً حتى ان ابن الأثير يقول "لم ينتطح فيه عنزان".

أما بغداد فقد تلقت الأخبار بفرح عظيم، ودامت الاحتفالات أياما ً. وبعث الخليفة المستضيء الى نور الدين بخلعة، والى صلاخ الدين بعث بخلعة وبراية سوداء، وهي شعار العباسيين. وكانت راية صلاح الدين صفراء. في الواقع أن صلاح الدين كان قد أصبح سلطانا ً، وان لم يكن بصورة رسمية. فالعامة كانت تعتبره سلطانا ً. اما القيروان والحجاز فكانتا تابعتين لمصر، مما زاد في مقام صلاح الدين عند المسلمين بصفته حارسا ً للحرمين الشريفين، ورفع من شأن القاهرة ومكانتها الجديدة. أما اليمن فقد كانت شيعية فلم يلق توران شاه، أخو صلاح الدين، صعوبة في ضمها الى الامبراطورية الجديدة. والى الغرب وسع الحدود الى مشارف طرابلس الغرب.

كانت مصر التي ورثها صلاح الدين عن الفاطميين ضعيفة وهنة سياسيا ً، ولكن مزدهرة ناجحة اقتصاديا ً. فانها، بعد العراق، كانت أغنى بلد في الشرق الأدنى بمواردها. وكان المورد الأول تجارة الترانزيت بين الشرق والغرب، وبصورة خاصة بين الهند والجمهوريات الثلاث في المدن الايطالية الثلاث: جنوى وبيزا والبندقية. ومما كان يدل على الثراء والرخاء في مصر بلاط الخليفة، الذي ظل أجيالا ً موضع دهشة واعجاب عند الذين كانوا يفدون على القصر من سياح ومبعوثين سياسيين. يقول لنا المؤرخون العرب انه كان للقصر أربعة آلاف غرفة، وكان له بوابة من ذهب تفتح على قاعة مذهبة وبهو فخم حيث كان عرش الخليفة المصنوع من الذهب. ثم كان هناك قاعة الزمرد ذات الأعمدة الرخامية الجميلة. وكان الأثاث والزخرف من الآبنوس والعاج المطعم بالحجارة الكريمة. وكانت الألبسة الحريرية والسجف والأقمشة المقصبة جميعها مطرزة بالذهب. وأصبحت جواهر الفاطميين مضرب المثل في الأدب العربي، وما تبقى منها محفوظا ً في دار الآثار المصرية يشهد على صحة الخبر.

كان على الداخل الى شقة الخليفة أن يمر في دهاليز مخيفة يحرسها جنود من الزنوج الى أن يأتي الى دور فسيحة لا سقف لها، ومنها الى ممر ذي أعمدة من على الجانبين، وله سقف مغشى بالذهب، وعلى جانبي الممر حدائق نبات وحيوان على غاية من الجمال. وقد ترك لنا وليم الصوري، وهو من المؤرخين اللاتين الأول للحروب الصليبية، وصفا ً رائعا ً للاستقبال الذي لقبه وفد أملرك الى الخليفة العاضد. وكان وليم الصوري مواطنا ً، ولد في المنطقة هذه، وكان يجيد العربية، وكان ملحقا ً بقصر أملرك، وينبغي أن يكون ما ذكره وليم مستندا ً الى تقرير أدلى به اليه رئيس الوفد. يقول:

تقدم الوفد فأدخلوه الى القسم الداخلي من القصر فأدى السلطان ( وكن آنذاك شاور) التحية حسب التقليد المتعارف: سجد الى الأرض مرتين بكل وقار واحترام كأنه يقدم السجود لاله. ثم سجد ثالثة ونزع السيف المعلق بكتفه وألقاه على الأرض. عندها ازيحت الستائر المطرزة باللؤلؤ والذهب، التي كانت تحجب وراءها عرش السلطان، بسرعة فائقة، وظهر الخليفة غير مقنع. كان يجلس على عرش من ذهب يحيط به بعض مستشاريه وحراسه من الخصيان، فكانت له هيأة وهيبة أكثر من هيأة ملك أو سلطان.

تقدم السلطان شاور من العرش بكل وقار وقبل قدمي الخليفة وعرض عليه القصد من مجيء الوفد اليه.

ويذكر لنا ابن الأثير شيئا ً عن الكنوز التي وجدت في بلاط العاضد فحملها قراقوش وقدمها لصلاح الدين، يقول:

وكان من كثرته يخرج عن الاحصاء وفيه من الاعلاق النفسية والأشياء الغربية ما تخلو الدنيا عن مثله، ومن الجواهر التي لم توجد عند غيرهم. فمنه الجبل الياقوت وزنه سبعة عشر درهما ً، أو سبعة عشر مثقالا ً. أنا لا أشك فانني رأيته ووزنته، واللؤلؤ الذي لم يوجد مثله ومنه النصاب الزمرد الذي طوله أربع أصابع في عرض عقد كبير.

وزع صلاح الدين كنوزالعاضد وخزائنه على قواده، وأرسل الى نور الدين نصيبه منها، ولكنه لم يأخذ هو نفسه شيئا ً، وهو أمر نادر الوقوع، ويدل على حكمة في السياسة. وبيع بعض الكنوز وأرسل الثمن الى بيت المال. وقد استغرق أمر تصفية هذه الثروة الكبيرة عشر سنوات. أما المكتبة، أو خزانة الكتب كما كانوا يسمونها ، وتحتوي على 120 ألف كتاب، فقد وهبها صلاح الدين الى كاتبه ومستشاره الوفي القاضي الفاضل. واحتفظ السلطان صلاح الدين بقصر الوزير مكانا ً لسكناه، حيث كان يعيش عيشة المعتدل في مأكله ومشربه، على خلاف ما كان يفعله عمه الذي مات من تخمة أصابته.

كان صلاح الدين السلطان رجلا ً يختلف كل الاختلاف عن صلاح الدين الجندي عندما التحق بالجيش. يقول ابن شداد، الذي كتب سيرته، انه في هذا لحين انقطع عن الخمرة وعن التمتع بلذائذ الدنيا، وانصرف كليا ً الى العمل وتصريف الشؤون. ويقول وليم الصوري ان صلاح الدين كان رجلا ً نشيطا ً ذكيا ً شجاعا ً في الحرب كريما ً الى أبعد حدود الكرم. وراحت شهرته تنتشر في جميع أرجاء العالم الاسلامي، وأخذ الناس ينظرون اليه كما ينظرون الى زعيم جديد.

لم يطل الوقت حتى توترت العلاقات بين القاهرة ودمشق. وكان السبب المباشر لقيام سوء التفاهم هذا عدم الرضى الذي أبداه نور الدين عن حصته في خراج مصر. غير أن صلاح الدين سهل مهمة محاسب قدم من دمشق للاطلاع على الحسابات. وظل صلاح الدين يذكر في خطبة الجمعة اسم نور الدين واسم الخليفة، هذا الى جانب نقش اسم الخليفة على النقود الجديدة. وربما كان السبب الحقيقي هو تخوف نور الدين من ازدياد قوة صلاح الدين في مصر. و الواقع أن صلاح الدين كان أقوى من نور الدين اقتصاديا ً وعسكريا ً. فان المعاهدة التجارية التي عقدها مع جمهورية مدينة بيزا التي أتبعها بمعاهدتين مماثلتين مع جنوى والبندقية، زادت في موارد مصر، وفي الوقت ذاته حدث من الاتجار مع فلسطين. ولكي يمتحن ولاء صلاح الدين له وجه نور الدين اليه رسالة يطلب فيها اليه أن يتوجه الى الكرك، وهي قلعة من قلاع الصليبيين عند الطرف الجنوبي الشرقي للبحر الميت وعلى طريق القوافل. وامتثل صلاح الدين للأمر. ولكن وصلته أخبار عن تقدم جيوش نور الدين نحو مصر. فخشي أن يكون في الأمر مكيدة، فقفل راجعا ً بحجة أن أباه مريض.

حال موت نور الدين في السنة التالية وقعت حرب بين صلاح الدين وبين دمشق. غير ان خلافة نور الدين أفضت الى ابنه، وكان في الحادية عشرة من عمره ويعرف بالملك الصالح، الأمر الذي عقد الأمور كثيرا ً. وكان صلاح الدين يعترف بالسلطة للملك الصبي، الملك الصالح، وأمر أن يدعى له في خطبة الجمعة، وضرب السكة باسمه. غير أن ابن عم للملك الصالح أعلن استقلاله في الموصل، وتوجه بجيوشه الى الرها في شمالي سورية ليضمها الى ملكه. وكان قواد الملك الصالح بتنافسون فيما بينهم ويتنازعون الوصاية على الصبي. فراحوا يستميلون حكام بيت المقدس لعقد صلح معهم على أن يدفعوا لهم جزية، وتنازلوا عن حقهم في حلب، حيث راح واليها الخصي كمشتكين يتخلص من منافسيه بالقائهم في غياهب السجون، ويعلن نفسه وصيا ً على الملك. فانتشرت الفوضى في البلاد كلها وأصبحت يتهددها التجزؤ والانقسام. وكان صلاح الدين في هذه الأثناء يجابه مشكلة حرجة: ولاءه لبيت نور الدين مولاه الذي أوصله الى هذه المكانة، واخلاصه للقضية الكبرى، الوحدة الاسلامية ضد العدوان المسيحي على الأراضي المقدسة. وراح يفكر لنفسه في الأمر، فانه بصفته أعلى قائد في جيش نور الدين، وبصفته عاملا ً على مصر، فان حقه بالوصاية على الملك الصبي أمر يجب الا ينازعه فيه منازع. وكان له أن يبعد في تفكيره الصامت فيعتبر نفسه القائد المؤهل لتنفيذ خطة السلطان الراحل، وبهذا يكون المؤهل أيضا ً أن يكون وارثه الروحي. ولكن هذا التفكير الصامت لدى صلاح الدين، لو ترجم الى كلمات لكانت كلمات لا يفهمها منافسوه وخصومه، لأنهم كانوا يرون فيه قائدا ً آخر من جملة القواد الذين يتنافسون ويصطرعون على السلطة لمآرب شخصية.

لم يتردد صلاح الدين في تدبير الأمر، لأن الوقت من ذهب. اختار لنفسه سبع مئة فارس من الجنود المدربين وعبربهم الصحراء متحاشيا ً قلاع الصليبيين الى غربي الطريق التي سلكها، وفي 24 تشرين الأول من سنة 1174 دخل دمشق عاصمة سورية دون أية مقاومة. واتخذ قلعة دمشق مقرا ً له. فتوافد عليه زعماء المدينة. على اختلاف طبقاتهم، ليرحبوا به على انه أتى ليحمي ملكهم. وبعد زمن تزوج أرملة نور الدين، وهو أمر مألوف، وله منافع سياسية في مثل هذه الحالة. خلف صلاح الدين أخاه طغتكين على دمشق وغادر على رأس جيش جنده من الشام قاصدا ً حلب. فعبر أولا ً لبنان من ناحيته الشرقية وسار في البقاع الى أن وصل بعلبك مسقط رأسه. ولكنه لم يدخلها بل تابع سيره نحو حمص، موطن الأم التي ولدت قياصرة تولوا عرش روما. لم تحارب مدينة حمص، انما أبدت قلعتها مقاومة. فترك حامية صغيرة لتحاصرها وتابع سيره في وادي نهر العاصي الشهير بنواعيره الى أن أتى حماة. وكانت حماة كسائر المدن السورية محاطة بسور وتحميها قلعة. غير أن حماة لم تقاوم بل استسلمت مع حامية القلعة فيها. وكانت حمص وحماة تابعتين لحلب ولكنهما كانتا شبه مستقلتين. كان هدف صلاح الدين حلب، العاصمة السورية الموقتة. وفي آخر يومين من أيام كانون الأول البارد ضرب خيامه حول سور المدينة وألقى الحصار عليها.

كان كمشتكين قد استعد للمعركة فأعاد تحصين خطوطه. وركب الملك الصالح جوادا ً، وسار يطوف في شوارع المدينة، برعاية كمشتكين وحراسته، طالبا ً الى الناس ألا يسلموه الى عدوه الذي يتظاهر بأنه قادم لحمايته. وكان للدور الذي مثله الملك الصبي أثر في نفوس الناس عندما رأوا الدموع تسيل على خديه عندما كان يخاطبهم. في الوقت ذاته كان كمشتكين قد استعان باثنين من أعداء صلاح الدين، الأول راشد الدين سنان، زعيم فرقة الحشاشين من مصياف في سورية، والثاني ريموند الثالث كونت طرابلس. وكانت حصون الحشاشين في جبال اللاذقية، لذا كان زعيمهم يسمى شيخ الجبل. وتقع قلعة مصياف على السفح الشرقي لجبال النصيرية. وكان سنان العراقي المولد قد قدم اليها من ألموت في ايران التي كانت مركزا ً لهذه الفرقة. وقد جاء لنشر الدعوة في سورية. ولعب دور ً بارزا في السياسة في سورية وفي مصر منذ 1163، وكان ينظراليه أنه أشبه بسلطة مستقلة. ويحسن بنا أن نتذكر أن الحشاشين اسماعيليون، فكان صلاح الدين الذي قوض سلطتهم في مصر يعتبر العدو الأول لهم. وكان فرع الحشاشين في سورية في هذه الفترة نشيطا ً قويا ً فلم يسلم من شره زعيم، نصرانيا ً كان أم مسلما ً. وكان من ضحاياهم ريموند الثاني كونت طرابلس (حوالي 1152)، وملك بيت المقدس المنتخب كونرادده مونتفرات الذي سنأتي على ذكره فيما بعد. وذات يوم اكتشف نور الدين خنجرا ً لأحد الحشاشين تحت مخدته. وكان من أبرز ضحاياهم في بلاد فارس الوزير السلجوقي والعالم المفكر نظام الملك، مؤسس المدرسة النظامية التي علم فيها الغزالي.

كان الرجلان، سنان وريموند، على اتم استعداد، باغراء من المال والرشوة، أن يعتبرا صلاح الدين، عدوهما الطبيعي، عدوا ً حقيقيا ً. فارسل سنان بعض الفدائيين واستطاعوا الدخول الى خيمة صلاح الدين وكادوا أن يغمدوا خناجرهم في جسده لولا يقظة حرسه الذين أمسكوهم وقطعوهم اربا ً اربا ً. وسار جيش طرابلس متجها ً نحو حمص في محاولة لقطع الطرق على جيش صلاح الدين. فكان من الحكمة أن ينسحب، وأسرع في العودة الى حمص فأخضع حامية قلعتها واستولى على المدينة ثم اتجه الى بعلبك واستولى عليها. ومن هناك توجه شمالا ً الى حماة حيث وجد أن جيشا ً يتألف من جند حلب والموصل كان في أعقابه.

كان غازي، ملك الموصل، يأخذ بالقول العربي المأثور: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب. لذا أرسل جيوشه لحماية الملك الصالح. واستعد صلاح الدين للمعركة فاحتل مركزا ً ستراتيجيا ً ممتازا ً يقع على هضبتين تعرفان بقرون حماة، املا ً أن يعوض هذا المكان الذي احتله على قلة عدد جيشه، وحدث ما كان يترقبه. ومما كان عاملا ً في هذه المعركة هو أن جنوده كانوا ممن قد خبر الحروب وتمرس في فنونها. وكانت الهزيمة هزيمة شنعاء (1175). وكان النصر الذي حالف صلاح الدين نصرا ً حاسما ً مما قرر مصير سورية. فأمر بقطع خطبة الملك الصالح، وألغى النقود التي تحمل اسمه، انما أبقاه واليا ً يتولى شؤون حلب. واستعيض في الخطبة عن اسم الملك الصالح باسم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد ذكر اسم الخليفة العباسي في بغداد. وقد أرسل الخليفة، بناء على طلب صلاح الدين. تقليدا ً يوليه بموجبه مصر والنوبة والمغرب والجزء الغربي من الجزيرة العربية وفلسطين وأواسط سورية. أي أن الخليفة العباسي وهب صلاح الدين ممتلكات ليس له سلطة عليها، انما فعل ذلك غرورا ً وكبرياء.

عندما كان صلاح الدين يحاصر قلعة اعزاز الى الشمال من حلب، دخل ذات يوم خيمته يريد الاستراحة، وفجأة شعر بضربة على رأسه. ولولا الدرع الواقي الذي كان يلبسه تحت عمامته لتحطمت جمجمته. فدخل الحرس وألقوا القبض على ثلاثة من رجال سنان كانوا قد نجحوا في الانضمام الى الحرس. ويقال لنا ان صلاح الدين خاف خوفا ً شديدا ً لم يلق مثله حتى في المعارك الرهيبة التي خاضها. ويبدو أن كمشتكين كان يحاول أن ينال عن طريق المؤامرة والدسيسة ما لم يستطع نيله بقوة السيف. وفرق صلاح الدين جميع الغنائم والاسلاب التي غنمها في هذه الحملة على جنده.

عندما عاد صلاح الدين الى مقربة من حلب مثلت أمامه أخت صغرى للملك الصالح، فاكرمها وقربها اليه. فطلبت اليه أن يرد قلعة اعزازاليها فلم يرد طلبها، وحملها هدايا وردها الى أهلها مكرمة. وفي29 تموز عقد صلاح الدين معاهدة مع الملك الصالح يعترف فيها الملك الصالح بسيادة صلاح الدين على جميع الأراضي التي احتلها بقوة السلاح. وظل الصالح أميرا ً على حلب. ولم يدخل صلاح الدين مدينة حلب حتى سنة 1183. بعد هذا، تفرغ صلاح الدين لمقاتلة الحشاشين. في منتصف تلك السنة جرد حملة يريد مهاجمة ديارهم. وكانوا يستولون على تسع قلاع . وقد خربها كلها باستثناء مقرهم الأول مصياف، اذ ان القلعة كانت مبنية على رأس قمة يصعب الوصول اليها. فنصب عليها المجانيق ورسل أفوجا ً بعد فوج من الجنود لمهاجمتها، ولكنه لم يستطع الوصول اليها لمناعة بنائها، وللاستبسال الذي استبسله المدافعون عنها.

ولكن المحاولتين لاغتياله ولدتا في نفس صلاح الدين خوفا ً شديدا ًن وظل شبح الاغتيال يروده فلم يستطع النوم. أمر بذر الرماد حول خيمته لاكتشاف اثار أقدام من يحاول الاقتراب منه، وأقام حرسا يحملون أنوار ً كاشفة، كما أنه كان يطلب تغيير الحرس مرارا ً. كل هذا لم يزل مخاوفه. وأخيرا ً قبل بفك الحصار عن القلعة مقابل عهد قطعه له سنان بأنه لم يحاول اغتياله. وانتهى الأمر بين الرجلين على أساس أن ليس هناك من غالب ومغلوب. وظل أمر اخضاع هذه القلعة الى أن جاء أحد خلفاء صلاح الدين، بيبرس، بعد انقضاء مئة سنة فقضى على فرقة الحشاشين في سورية.

-2-

كان لصلاح الدين في هذا الحين أن يفاخر بأمرين انجزهما: أولا ً القضاء على الدولة الفاطمية، وهذه عظمة فرضت عليه فرضا ً، ثانيا ً الاستيلاء على سورية، الأمر الذي تم بمبادرته الشخصية. وكان توحيد القطرين، مصر وسورية، خطوة لا بد منها لانجاز مهمته الثالثة الخطيرة التي أصبحت الشغل الشاغل له: تحرير البلاد من سيطرة الصليبيين. ويبدو أن الجزء الأول من حياته لم يكن سوى فترة تحضير واستعداد لاتمام هذا العمل العظيم.

أما متى بدأ يحلم بوضع مملكة بيت المقدس بين كلابتي القاهرة ودمشق ليسحقها فلا نعلم على وجه اليقين، انما نعلم انه كان حلما ً قديما ً يدغدغ طموحه العسكري. وقد فكر نور الدين بهذا الأمر ولكن تفكيره لم يتعد حيز التمني. كان بالامكان أن يركز على محاربة الصليبيين، لكن أباه وجد بعد.... .... .... صلاح الدين - بطل الحروب الصليبية – مقتطف من كتاب صانعو التاريخ العربي للدكتور فيليب حتي