Elias Peter Hoayek - Extract of Arabic book

رجل العناية البطريرك الياس الحويك 1843-1931 بقلم الأخت ماري كزافيه لحود – مقتطف كتاب

بطريركية انطاكية وسائر المشرق المارونية عدد158 – 1671

البركة الرسولية تشعل ابنتنا الفاضلة الام مارت العنداري، الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، المحترمة،

بقلب يقطر حمورا ، نرى ما تحققين من اعمال في عهدك، وتبارك ما يصدر من منشورات في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الجمعية العزيزة.

وهذي، في يدنا، حياة "رجل العناية"، سلفنا السعيد الذكر البطريرك الياس الحويك الذي جسد في سيرته روح التطويبات، وبنى للبنان مجدا ً في الشرق والغرب، وسطع كالكوكب نورا ً في الكنيسة والعالم. ومن خلال حياته الفريدة، نقرأ صفحة مجيدة من تاريخ طائفتنا المارونية التي عانت المضايق في سبيل الانجيل وأدت شهادة ً حسنة امام رؤساء هذه الدنيا. هي العناية" تبلغ من غاية الى غاية بالقوة، وتدبر كل شيء بالرفق (حكمة8/1).

فاذ نثني على جهود ابنتنا الاخت ماري كزافيه لحود التي خطت هذه الصفحات نرغب الى بناتنا راهبات العائلة المقدسة في ان يتصفحنها بامعان وايمان، ويرين في سهرة المؤسس الكبير مثالا ً ساطعا ً، ومحركا قويا للثبات في الدعوة، والجري قدما ً في طريق المحبة الكاملة، وفقا ً لقول الرب: "انظر واعمل كل شيء على المثال الذي اريك اياه في الجبل" (خروج 25/40).

وفيما نسأل العناية ان تظهر بر صفيها، نستمطر عليك وعلى بناتنا راهبات العائلة المقدسة بركات السماء، داعين لك بالعافية وللجمعية باطراد النمو والازدهار.

صدر عن كرسينا في الديمان في 22 آب سنة 1971

الكردينال بولس بطرس - بطريرك انطاكية وسائر المشرق

توطئة "ما اعظم مجدك ، يا ايليا"! (سيراخ 48- Cool

كأن الأمجاد – على قلتها في الأرض – على موعد في القلب الكبير الذي حمله وريث الانبياء وخليفة الرسل، وحامل شعار مارون البطريرك الياس الحويك. فيه أظهرت العناية الالهية كل عجائبها، فكان "رجل العناية" محققا ً في شخصية ما قاله الرسول بولس: "ما كان في العالم من حماقة فذاك اختاره الله ليخزي الحكماء، وما كان في العالم من ضعف فذاك ما اختاره الله ليخزي الأقوياء، وما كان في العالم من غير حسب ونسب، وكان محتقرا ً، فذاك ما اختاره: ... حتى لا يفخر بشر امام الله" (1 قور 1/27-29).

من الحضيض رفعته العناية، جاعلة من حياته ملحمة ولا أروع... في القرية ولد ونشأ، فحمل في قلبه الهدوء والنشاط.

على يد والده الكاهن ترعرع، فرأى في الكهنوت قمة الأمجاد. تحت السنديانة تعلم، فتخرج رجلاً قويا ً، شجاعا ً. في مدرسة مار يوحنا مارون درس، فتفتح على حب طائفته. في روما العظمى تلقى علومه، فأحب الكنيسة وتجند لخدمتها. فما أعظم الله في مقاصده!...

الى الهيكل قادته العناية. فأصعدته درجات المذبح...
في غمرة الافراح، أنشد مع العذراء: "تعظم نفسي الرب"!
لدى العودة الى الوطن، هفت القلوب الى استقباله.
في زحمة الأعمال، تعين معلما ً وزائرا ً، وأمين سر البطريركية.
في سلسلة تجوالاته، كان الكاهن، والمرسل، والوكيل الأمين.
في قرارة روحه، ما طمح الا الى المزيد من الخدمة والبذل.
بين أقرانه الكهنة، ما سعى الا الى ان يكون لهم وفيا ً ومساويا ً.
وهكذا وجد في هيكل الرب نعيمه ودعوته!...
على ان التاج كان يحن الى رأسه، والصليب الى صدره...
رأى في التاج المرصع اكليل الشوك على جبين سيده.
لم ير في الأسقفية مكافأة، بل خدمة ً ولا أثقل فضاعف جهوده. لم تستهوه الشعبية الزائفة، بل سعى الى تأمين اكليريكية روما. فضل على البخور والمديح مساعدة الكادحين، ومؤاساة البائسين.
حدب على الطفل والمريض واليتيم والفقير، فأسس جمعية راهبات العائلة المقدسة.
وهكذا سار قدما ً "على دروب المجد"!....

على أن المجد لم يهنأ له بال الا لما أعطي "مجد لبنان"...
نادته الطاعة، فلبى النداء بسرعة ونزاهة.
انتخب بطريركا ً، فقالت امه: "واحزناه! قد زادت دينونته"!
أعاد المجد الى صاحبته، فشاد معبد "سيدة لبنان" فوق أجمل قمم لبنان.
نكلت الحرب بالمواطنين، ففتح قلبه وكرسيه لكل المتألمين.
عرف لبنان أباه وسيده، فوكل اليه تحقيق الاستقلال.
سعى اليه المجد من كل الجنبات فقال: "لا لنا ، يا رب، لا لنا بل لاسمك أعط المجد "(مز 113/1).

لقد قالوا الكثير في البطريرك الكبير الذي كتب له الخلود.
وما جاء في هذا الكتاب الثمين هو القليل من خير ما قيل. على ان الباب يبقى مفتوحا ً لمحاولات أخر في عالم الروح والوطنية والاجتماع. كي يزداد الحويك مجدا ً على مجد. الى ان يرفع فوق المذابح، فتنشد له الأجيال: "ما أعظم مجدك، يا ايليا"!
جونيه في 23 آب 1971
الاب يوسف مرعي م.ل.

رجل العناية مار الياس بطرس الحويك بطريرك انطاكية وسائر المشرق على الطائفة المارونية 1843-1931

مقدمة - رجل العناية

انطرح بالروح والقلب بين ذراعي "العناية الالهية" فاصعدته الى طور طابور ونادت به "ابنها الحبيب"!
طلب العلم والدرجة، فمدت "العناية" يدها السخية، وذللت كل عقبة. وقادت الحويك في مدارج الفلاح الى ان قلدته درع الرئاسة.
غازل الأماني والأحلام، فنسجت "العناية" من خيوط آماله الذهبية رايات مجد وازدهار خفقت فوق أديرة، وصروح، ومعاهد.
أرته العناية صورة العائلة المقدسة وسط هالة من النور. وحولها مئات العذارى: على الصدر رسم صليب، وفي اليدين ابجدية "وكاس ماء بارد". شعارهن: الله والانسان. فتهلل وقال "للعناية": "لبيك"!
جن ليل الاهوال، وخفق قلب "بطرك الحرية". فظهرت شمس "العناية"، وغمرت روحه بنورها، وركزت امامه، على قمة حريصا، منرة للبنان ابدية.
دمعت عين الحويك امام ضحايا العوز. وامام هول المشانق. فمسحت "العناية " دمعة البطريرك بمنديلها الحريري، وارته الاكليل المعد للمتألمين.
وركب شيخ الاستقلال البحر الهائج، فقبضت "العناية" على دفة السفينة وأمرت البحر ان يسكن، "فكان هدوء عظيم". وكانت للنسيم هينمات رقص لها الشاطىء وبسم الأرز فوق قمم لبنان.
وقالت روح الحويك "قدتم" ! فحملتها العنية على اجنحتها الى الجنات الابدية. وسجلت بالتبر. للبطريرك الياس الحويك. آيات الخلود!

مقاصد العناية 1843- 1970

"أيها الرب سيدنا، ما أعظم اسمك في كل الأرض وقد جعلت جلالك فوق السماوات. بأفواه الأطفال والرضع أسست لك عزة..." (مز 8/2 و3).

"ولد لنا ولد"! (اشعيا 9-6)

بزغ فجر الثلاثين من كانون الاول سنة 1843. صفاء السماء يبشر بنهار جميل. زهر النرجس المنتشر في الغابات يستقبل الصباح بعطره الزكي، "والفن" القروي الطبيعي يتألق، بين عبير الازهار وموسيقى الطيور الاليفة.
جرس القرية يدعو الى القداس فينهض الراقدون، وتعود الى الأذهان اصداء احتفالات عيد الميلاد: "المجد لله في العلا وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"! (لوقا 2/14)
في هذا الجو الميلادي الرائع بجماله وهدوئه، وهذا التبادل الفتان بين شتاء وربيع، رأى النور ذلك الطفل المزمع ان يكون امير السلام، رسول الحرية و"رجل العناية".
والداه هما تادروس بن عبود الحويك وغره طنوس الحويك.
مسقط راسه حلتا، قرية صغيرة من اعمال قضاء البترون، كبيرة بجمال طبيعتها،بنبل بنيها وتمسكهم بالايمان والاخلاق.
الفرح يشمل البلدة والمنطقة، وترتفع ايات الحمد الى السماء شكرا ً على هذه "الصباحية" الغالية التي حلت كرابطة شكر وحب وتهليل بين غروب واشراق.
امران يشغلان الاقارب والمواطنين:
متى يقرع جرس حفلة العماد.
ما هو الاسم المعد للحويك الجديد.

"عليه يستقر روح الرب" (اشعيا 11-2)

قرع جرس كنيسة حلتا يدوي في الاجواء والوديان حاملا ً هتاف الفرح والمسرة. هي ساعة عماد الطفل ابن تادروس عبود الحويك الموافقة عشية اعتماد السيد المسيح، لوقوعها في مساء اليوم الخامس من السنة الجديدة 1844.
موكب مهيب يتقدم بخطوات الجذل والابتهاج. والد الطفل في نشوة من السعادة، يردد للاقارب والمواطنين: "نسميه الياس"، فيصفقون ويهنئون... العراب بطرس الخوري من راشكده يحمل الطفل بين ذراعيه مدللا، ملاطفا ً، والابتسام على جميع الشفاه.

دخلوا الكنيسة

بدأ الخوري يوسف صورات مراسم العماد، فتقبل الطفل الملح الطقسي والماء بدمعة وسكون، وبات اثناء التطواف هادئا ً، كانه مفتتن بنشيد "يا ام الله يا حنونة"، مريم التي سيتخذها له شفيعة يذيع امجادها، ويرفعها ملكة. فوق روابي وطنه لبنان!
الموكب يعود بالطفل الياس الى بيته مهدهدا ً على ذراعي عرابته امرأة منصور عبد الله من حلتا، وفوقه يرفرف روح سماوي هو الملك الامين الذي رعاه منذ مولده، وسيحرسه في مسيره على مختلف دروب الحياة التي رسمتها "العناية" لولد "العناية".
يتركه الآن جمع المعمدين ويجلسون الى الاطباق المعدنية، وبين الوانها "زلابية" عيد الغطاس التقليدية. متمنين للطفل نموا ً ومستقبلا ً مدرسيا ً لامعا ً!
اين المدرسة يا ترى؟

في معهد الطبيعة

بين هينمة النسيم وتغريدالعصفور!
الصبي يمشي ويتكلم، يترعرع ويشرف على الخامسة من عمره (1848).
ها هو في مدرسته. هيا نذهب اليه!- ولكن الى اين نذهب؟ الى ساحة كنيسة حلتا. تحت السنديانة الدهرية. في ظلها، ثلاثون طفلا ً جلوسا ً على حجارة مصفوفة، بشكل نصف دائرة.
بين هؤلاء الصغار ولد رصين لطيف. على وجهه الصبيح امارات الدعة وفي عينيه البراقتين ملامح الذكاء. هذا الصغير هو الياس الحويك، واغصان هذه السنديانة هي سقوف مدرسته الاولى. منهاجها يدور حول نقطة واحدة هي القراءة: سريانية وعربية.
ولكن الياس ابن خمس سنوات ويخال نفسه ملكا ً مطلق السلطان، فلا يريد الجلوس على الحجر ويفضل على ذلك ركضا ً في الحقول، وتوغلا ً في الغابات. لقد لعب، وتوغل، وتسلق الاشجار، وامسك العصافير. غير انه لما فهم ارادة والده والمعلم، تنبه الى امره وانكب على الدرس، فبرع وتفوق. احسن قراءة اللغتين، السريانية والعربية، تعلم الخط وأخذ يتوق الى "سنديانة" أكبر وأرقى.
هو يروي لنا كيف بدأ تلمذته:
"قال لي والدي صباحا ً : اليوم تذهب الى المدرسة في ساحة الكنيسة. واعطتني والدتي زاد النهار شيئا ً طيبا ً: بيضة مسلوقة "وعروسة" تين. سرنا ونحن نقفز. ما كدت أصل حتى دمعت عيناي، فرجعت الى الوراء نحو الغاب الصغير. صرفت الوقت بتعمير البيوت والتقاط الجندب والفرفور. ثم سمعت ضجة الاولاد ، وقلت: هذا هو الظهر ، فجلست وأكلت غذائي. وبعد الظهر لم أغير المنهاج."
في آخر الاسبوع سأل والدي المعلم:
- كيف وجدت الياس ولدنا؟
- الياس؟ لم يأت الى المدسة.
استدعاني والدي. ولم أكن أكذب، فاخبرته. وتناوب الاثنان على توبيخي، ثم افهامي واجباتي. وفهمناها على طول."
انه حبيب الله
اطيب لذاته خدمة القداس لخوري القرية، ولا سيما حمل المبخرة والتبخير "الريتمي" الموزون . لا يمل من ملاحظة الكاهن واقتفاء حركاته. "الخوري" يشغل عقله وفكره، وقلبه يتوق اليه، ويا ليته قادر على أن يتسابق واباه في هذا الميدان المقدس! يريد أن يصير اسمه "الخوري الياس" كما دعي ابوه "الخوري بطرس" (لان تادروس عبود رقي الكهنوت بوضع يد البطريرك يوسف الخازن في18 تشرين الثاني سنة 1850).
لكن الياس صغير! ويجب قبلا أن يتعلم.
اما كيف يصل الى مدارس عالية تروي عطشه الى المعرفة؟
فالجواب واحد وقد حفر على قلبه: "انه متكل على الله، والله يدبر"!

الطالب الياس الحويك (1851-1970)

تطعمه خبز العقل وتسقيه ماء الحكمة فيها يرسخ فلايتزعزع". (ابن سيراخ15/3).

في مدرسة مار يوحنا مارون تلميذ افرام وسيبويه

دخل الياس عامه الثامن (1851). فتى ً يتدفق حياة ً ونشاطا ً. لوحت الشمس خديه، وأغنته الطبيعة الصخرية بدم سخي. يتوق الى الجهاد والعمل الصعب، ويهتز طربا ً عند ذكر المدرسة المنظمة. وكم يلذ له أن يحمل على ظهره هميانا ً فيه الكتب وزاد النهار، ويسير روفاقه، بقفزات ايقاعية واغان صافية تنسجم وأصوات الحساسين، الى معهد علمي كبير!
حلم !..
ولكنه يقظة... لان الخوري بطرس انس بولده فطنة وذكاء. فقرر ادخاله مدرسة مار يوحنا مارون الكائنة في قرية كفرحي - قضاء البترون. وهوذا الولد فرحا ً ومستعدا ً يسير واباه في طريق المعهد.
وصلا دون عناء. ودخل التلميذ الى مهد البطاركة العظام. فخورا ً سعيدا ً لانخراطه في سلك التلامذة.
اجتهد الياس، واظب وكان في طليعة رفاقه نجابة وذكاء. اتقن السريانية والعربية لغة ونقلا ً، حتى توصل الى تفسير "الشحيمة" ببراعة الكاهن العالم، فاحرز منزلة ً كبرى في اعتبارات مدير معهد مار يوحنا مارون واساتذته.
لقد اعتبروه:
ولدا ً ذكيا ً. قوي الارادة، دمث الأخلاق.
ادهش بنجاحه السريع وتفوقه.
ذا نفسانية حقة: "تقوى وعمل واتكال على العناية الالهية".
يتم رغائب والده ويسعى الى اكتساب رضى معلميه.
لايقول كفى، بل يريد أن يزداد.
يتوق الياس جدا ً الى اقتباس العلوم واللغات والى الانضمام حالا الى السلك الاكليريكي. طلب ذلك بالحاح، فسر والده وشكر الله واشار على ولده أن "اكشف سرك الى البطريرك".
فأخذ الياس يترقب الفرصة مستندا ً الى تدبير "العناية الالهية".
الى أن أفل نجم وطلع بدر!
- هو بدر عهد البطريرك بولس مسعد.
سنة 1854!
البطريرك بولس مسعد يرتقي سدة بطريركية انطاكية وسائر المشرق. خلفا ً للبطريرك يوسف الخازن السعيد الذكر. سيقوم بزياراته الرعائية الأولى ومدرسة مار يوحنا مارون تستعد لاستقباله بابهى المظاهر. يا لفرح التلميذ الياس الحويك! في عقله تلعب أفكار وتدور برامج أوسع جدا من تصاميم المزينين... يتوق جدا ً الى "سوتان" الاكليريكي، ولسانه يردد:"قد احببت يا رب خدمة بيتك"! (مز 25- Cool

.
هوذا البطريرك في ردهة الاستقبال والحويك الصغير على قدميه، بدالة وشجاعة.
- م بالك، يا صديقي العزيز؟
- أريد. يا سيدنا، أن أدرس مع الاكليريكيين.
- ولماذا تدرس معهم؟
- لا صير كاهنا ً "يقدس" ويحل من الخطايا كوالدي.
- سأنظر في أمرك، طب خاطرا ً. (وضمه الى صدره).
الياس يزداد شوقا ً الى الدرس مع الاكليريكيين. يود أن يبدأ حالا.
- ولكن رويدا ً. ايها الناشيء الذكي! فالغد لله، وهو قريب لأنك "ابن العناية"!
- "وأحكام الله لا تدرك"!
بعد يومين. حدث ما لم يكن في الحسبان: قد انهار جناح من المعهد يسمى "ممشى التلاميذ" فأدى الى صرف التلامذة لأجل الترميم. واعتزم السيد البطريرك السفر.
قال الطالب الياس. مخبرا ً:
"كنت واقفا ً عند اسفل الدرج منتظرا ً خبرا ً، فنزل البطريرك يشيعه المودوعون. وحالما وقع نظره علي، قال لي: "ما العمل؟ خربت المدرسة". فعدت الى البيت كئيبا ً!
"ولما طالت العزلة، قلت لأبي: "ان مدرسة مار يوحنا مارون لا يتم ترميمها الا بالسنين الطوال، فاذا كنت ترغب ايفاء رغبتي اسع لادخالي مدرسة غيرها: عين ورقا، غزير لا فرق".
تمعن الخوري بطرس، ثم سار صابرا ً بشوشا ً كعادته، يطلب وساطة لدى الخوري يوسف حبيش الذي له علاقة وثيقة بمعهد غزير.
وها هو يعود مبشرا ً ولده قائلا ً: "نجحنا باذن الله"!
في المدة التي مرت بين ترك الياس مدرسته ودخوله معهدا ً جديدا ً، تلقى سر التثبيت المقدس من يد المطران يوسف المريض، وذلك في 8 كانون الاول 1856.
نهنيء الطالب النشيط، ونتركه هادئا ً هانئا ً على "ذراع العناية"، يتغنى بآيات مزاميره الرائعات!

"عليه يستقر روح الحكمة والعلم ومخافة الرب"! (اشعيا 11-2)
في معهد غزير للآباء اليسوعيين الياس الحويك ندعوه اليوم اكليريكي معهد غزير.

غزير!
كلمة معناها الخصب والثروة، تطلق على بلدة من أعمال كسروان هي في عالم السياحة ثروة جمال باطلالتها على البحر في اطار ريفي بديع. سرح النظر تر مساكن حمراء القبب وسط جنات ضاحكة، متعة للأبصار!
أما للروح والفكر فهي ثروة بمعهدها الاكليريكي الشهير، مهد الجامعة الكاثوليكية للعلوم الثانوية واللاهوت، كان ولا يزال مصنع الشباب المختار للدرجة المقدسة.
الى هذه النخبة المباركة انضوى الياس الخوري الحويك وكان ذلك في تشرين الأول عام 1859.
سمعا ً! يكلمنا:
- "استلفت الأنظار الى "عناية الله" في امري. وان الله عظيم القدرة قد ينتج من الشر خيرا ً. فخراب مدرسة مار يوحنا مارون ساقني الى مدرسة غزير".
ثم أكمل: - "أممنا غزيرا بعد أن ودعت والدتي وأهلي مطمئنا مسرورا ً، فطاب لي المقام بين آباء أفاضل، ورأيت نفسي بين خير الناس ادبا ً وشرفا ًومجدا ً. وأخذت في درس الافرنسية والعربية الى أن فوجئنا بكارثة 1860، فانثنينا وعدنا الى حلتا في 21 حزيران. "
ما هي هذه الكارثة؟
هي"حركة الستين" وليس من يجهلها.
اصداء ناقوس الخطر تتردد في سماء لبنان!
دماء تسفك، مخاوف واضطرابات!
ولكن عين "العناية العطوف" ساهرة، فتنعقد مؤتمرات، تسفر عن تعديل نظام الحكم واعادة الوفاق والسلام. وهكذا حلت السكينة محل الاضطراب، وفتحت المدارس في تشرين الأول من السنة عينها.
ومن يصف فرحة الاكليريكي الشاب! ها هو وأبوه الخوري بطرس في طريقهما الى غزير. الطالب يحلم بالرغائب والاماني، يعود به الفكر الى حضارة عريقة ستدعم ثقافته أدبا ً، وفنا ً، وفلسفة. على أنه ووالده قلقان بسبب العسر المالي، ولكنهما يرددان معا ً: "ان الله يدبر"!

الى قمة البارناس في عالم سقراط وهوميروس وفيرجيل

الياس يتغنى بالحكمة!
"انها ابهى من الشمس وأسمى من كل مركز للنجوم واذا قيست بالنور تقدمت عليه". (سفر الحكمة 7/29).
وصل الحويكيان الى المعهد. وما زلنا في تشرين الأول عام 1860، وقد نال الخوري بطرس ما تمنى لدى قيم المدرسة وسمع منه هذه الشهادة الباهرة:
"انت تقلق من العسر المالي وبقربك هذه اللؤلؤة الثمينة التي دونها كنوز العالم! اننا راضون عن ابنك مسلكا ً وعملا ً. ولك ما تريد.
أكب الياس على حياة روحية فكرية سيخرج منها شعلة ً متقدة، رجلا ً مولعا ً بالعظائم. اقتبس مع العربية والسريانية، اللغات اللاتينية واليونانية، الافرنسية مع آدابها، العلوم الرياضية، المنطق والفلسفة. وكان اكليريكيا ً مثاليا ً، وآية في الذكاء.
نسمعه متكلما ً عن طريقة عمله ببساطته المعتادة:
"كنت شديد المراقبة وكثير البحث. لا يقع نظري على عبارة الا استجليتها.
"علاوة عن فروضي ترجمت مختصر التاريخ المقدس. ترجمت كذلك قصص فيدر واخبار مشاهير رجال رومية.
"استظهرت الكثيرات من مقامات الحريري."
- وقال أيضا ً:
"أصبت من الجوائز ستا ً. فضلا ً عن جائزة الاجتهاد. في السنة الثالثة ترقيت الى صفين، لأن رفاقي آلوا على نفوسهم الا يجروا السباق في آخر السنة اذا بقيت في مصافهم. مع ذلك نلت نصف جوائز الصف الجديد."
وأخبر أن، في منطقته البترونية، كانوا يلقبونه "ابا فشخة"، اي السباق.- ثم أكمل مرددا ً بتأن:
"اواه! ماذا لك يا هذا ولم تأخذه وان كنت أخذته فعلام تتكبر!"
"- هذا كله اوتيته من عند ربي!"
اليوم، يهز الطالب الياس الحويك شوق أعظم وطموح اعظم! افكاره على بساط الريح تحلق في اجواء بعيدة عبر البحار. يريد أن "يتقدم الى العمق ويلقي الشبكة" مستندا ً الى "العناية الالهية" والى "شفاعة مريم".
ال أخره... ....

المحتويات

- بركة غبطة البطريرك.
- توطئة الكتاب.
- مقدمة الكتاب.
- مقاصد العناية.
ولد لنا ولد.
عليه يستقر روح الرب.
في معهد الطبيعة.
في مدرسة مار يوحنا مارون.
في معهد غزير.
الى قمة البارناس.
ثقته بالبتول.
تنازع الاحلام في خياليته.
في البروباغندا.
الألم والتسليم.

- في هيكل الرب.
دخوله هيكل الرب.
تفاصيل حفلة سيامته.
عودته الى لبنان.
الخوري الياس معلم ورسول.
في بكركي.
ثقته بالعناية.
- على دروب المجد.
سيامته مطرانا ً
عهد البطريرك يوحنا الحاج.
الى الاعتاب الرسولية.
فكرة تأسيس الجمعية.
الى الاستانة.
الى القدس.
في روما.
في مصر.
في القدس.
المطران الياس يؤسس الجمعية.
في سفره الى روما 1893
يوم التأسيس.
الى عبرين.
العودة الى روما.
وفاة البطريرك الحاج.

- مجد لبنان أعطي له.
تتويج البطريرك.
صورة البطريرك.
استشهاد الأم روزالي.
من الديمان الى بكركي.
في بكركي.
يوبيل بابا العمال الفضي.
افعال البطريرك.
بناء دير العائلة.
متاعب البطريرك.
في المدرسة المارونية.
باريس.
في قصر بني عثمان.
عودته الى لبنان.
تشييد مزار سيدة لبنان.
متاعب الحويك.
جري الرياح بما لا تشتهي السفن
تدشين دير العائلة وكنيسته.
يوبيل البطريرك الفضي.
البطريرك والحرب الكونية.
الحويك وجمال باشا.
البطريرك بطل الاستقلال.
لدى مؤتمر الصلح.
عودته.
اعلان دولة لبنان الكبير
تأسيس ميتم سيدة لبنان
البطريرك والحكام والحكم.

- من الألم الى الخلود.
مرض الام اسطفاني.
انتخاب الام جوزفين.
الحويك بطرك الشعب.
من طرائف البطريرك.
انحراف صحته.
وفاته.

- المراجع.
- دليل حياة البطريرك
والاحداث التي عاصرته.

فهرس الكتاب.