Arabs are Pilate

كلهم بيلاطس - لبنان... جبين لا ينحني - بيروت - 1978 - أبريزا المعوشي (مقتطف)

كان العالم يرى وجه الانسانية، ينبثق من لبنان، ونحن كنا نرى من لبنان وجه السماء!! وسبحانه مغير الأحوال، فقد انقلب وجه السماء ذاك الى وجه جحيم مشتعل!!

جلس العالم يتحدث عنا، يتحدث بهدوء اعصاب، ويحكي مأساتنا، بلا مبالاة، فالكوارث التي نغرق في دمائها لا تهمه.. كأننا لسنا بشرا ً.. ويجب الاسراع لانقاذنا، أو كأننا من غير هذا العالم، من كوكب آخر كان دائما ً عدوا ً لكوكب الأرض..

كأن لبنان لم يشارك في بناء حضارة هذا العالم بشيء !! ولا في تأسيس مجلس الأمن الدولي، أو لم يشارك أيضا ً في وضع نصوص شرعة حقوق الانسان! ولم ينطلق من لبنان رجل ترأس مجلس الأمن!

أين أنت يا مجلس الأمن؟ ألم تصل الى أنوف أعضائك رائحة لحم البشر التي تحترق في لبنان؟ حتى يهرعوا الينا وينتشلوننا من النار؟ أم انهم لا ينقذوننا الا بشروط.. أو بعد حسابات الربح والخسارة.. التي يجب أن يجنوها منا؟! وأنت أيضا ً أيتها الدول الراقية فلا تعطي، قبل أن تأخذي، وأنتم أيضا ً يا ممثلي الأمم أنانيون؟!

وأنت يا جامعة الدول العربية، ألم يكن لبنان أول من وضع مداميك بنائك؟! وكان سببا ً في وجودك؟!

أين أنت أيتها الدول العربية، عفوا ً.. اننا نناديك دون ان نشفع مخاطبتنا لك بكلمة "الشقيقة". فلا نلام اذا نسينا صلة القربى، فتصرفات بعض أشقائنا العرب حيالنا، جعلتنا نحس بأنهم ليسوا أشقاء لنا.. والا كيف يتركون الشقيق لبنان يعاني آلام الموت، ولا يسرعون لانقاذه؟؟ فهل ان سوريا وحدها وغيرها القليل القليل، من الدول العربية، هم وحدهم اشقاء لبنان؟!

ألم يكن لبنان يوما ً رسول سلام، وحاملا ً مشاكلكم المعقدة مشاركا ً لكم همومكم؟؟
أهكذا تغسلون أيديكم من دم لبنان، وتقفون مكتوفي الأيدي، لا تتحركون؟
ألم يثر فيكم دم القربى، أي حماسة لتسرعوا وتنقذوه، ولو كان ذلك على حساب مطامعكم.. فليكن انقاذكم ولو مرة في سبيل انسانية الانسان.. لا حتى في سبيل القربى..
أين فروسية العرب؟؟ أين شهامتهم؟؟ أين عاطفتهم؟؟ هل ماتت فيكم كل نبضة خير؟! ولم يبق لكم من العروبة الا الاسم؟؟؟

أتصوركم جالسين هانئين.. هادئي الأعصاب.. تقرأون الصحف؛ وتحصون عدد القتلى في لبنان، وكأنكم تحصون طرائد جمعتموها من رحلة صيد.. ثم تتثاءبون.. وتلقون الصحيفة جانبا ً.. أو تفتحون المذياع تستمعون الى اخبار الدمار، والابادة الجماعية في وطن الانسان!! فتقلبون شفاهكم.. كأنكم تستمعون الى مباراة في الكرة، فتنتظرون من سيكون الفائز؟!

هذا هو واقعكم يا اشقاءنا.. يا اقرباءنا.. وان ثارت البقية الباقية فيكم من الشهامة العربية.. ترسلون الينا النصائح والارشادات. فألف شكر لكم.. فقد وقعنا على ايصال النصائح والارشادات، في البريد المضمون المعطل عفوا ً.. بسبب الأحداث، كما تعلمون.. ودامت الأفراح في دياركم عامرة!!

ولكن يا اشقاءنا بتنا نخاف عليكم من أن يحل بكم ما ينزل بنا.. فأننا نخشى أن يمتد اليكم لهب النار المستعرة عندنا.. فتنقلها الرياح التي عصفت بنا.. وتكون رياحكم أشد ضراوة من تلك التي تضرم عندنا!! ولكن اطمئنوا لن نعاملكم بالمثل..

ويوم تنتقل نارنا اليكم، والآتي قريب!! سنهرع اليكم ونطفئها، ونقدم لكم العلاج الشافي. فنحن من شيمنا العطاء والبذل!!

اطمئنوا يا اشقاءنا، لن ندعكم تنزفون وتقلعون الشوك بأيديكم وحدكم، كما فعلتم بنا اليوم؟!

مسكين لبنان، ومساكين أهله، على هكذا اشقاء!! وهكذا اصدقاء!! اذ ان الدول الكبيرة... والصغيرة... والبعيدة... والقريبة... لا تتدخل، وتوقف النزف في لبنان، الا اذا رضي جميع الأطراف!! أليست هذه الادعاءات من مهازل الأقدار؟! ان لا يتدخل الناس لانقاذ الغريق... الا بعد ان يطلبوا اذنا ً لانقاذه... فشكرا ً للجميع!!

وهناك نصائح أخرى، وهي ان يجد اللبنانيون حلا ً، ويتفقوا فيما بينهم.. كأننا لو استطعنا ان نتفق على شيء، فهل كنا بحاجة الى مساعدتهم؟! وبالتالي فما كنا تقاتلنا في الأصل!! ولكن ما داموا هم العرابين في حفلة موتنا.. وهم اخوالنا.. واعمامنا.. فكيف لا تنزل المصائب بنا؟؟ وسبب بكائنا أليس لأنهم اخواننا، وعرابونا!!

ان تصاريحهم تلك، هل هي من باب التعجيز؟! أم انها "حظورة".. تحتاج الى ضارب مندل ليحل.. الغازها وطلاسمها.. فأذا وجد هناك متخاصمان، ألا يجب أن يهرع اليهما حكم، وهل يطلب منهما اذنا ً لكي يضع حدا ً لنزاعهما؟!

فهل ماتت الانسانية بموت لبنان؟؟

وهل ذبحت الضمائر في العالم، بعد ذبح لبنان؟؟ فلا يهرعون الى انقاذنا الا بعد ان يرضى القتيل؟!

وهل يترك الانسان المزمع على الانتحار، دون ان يردعوه؟؟ فهل يطلبون منه اذنا ً ليمنعوه من الارتماء في أشداق الموت؟؟
أي منطق هو هذا؟! فهناك منطق بيلاطس، وكم من بيلاطسيين يغسلون اليوم أيديهم من دم لبنان البري...

فيا أيها العالم، أيتها الأمم، أيتها الدول الصديقة والعدوة، القريبة والبعيدة، ان لبنان العظيم التي كتبت الحضارات الانسانية على جبينه وضمت أحشاؤه أعظم البطولات، انه اليوم يائس غارق بالدم. انه ينتحر. لقد أصيب بالجنون؟!

مع كل هذا يبقى العالم يتفرج على انتحارنا وجنوننا، كأنه يشاهد عرضا ً لفيلم سينمائي... أم أن الدول الكبيرة لم تنته بعد من معاملات تقاسم لبنان فيما بينها.. والدول الباقية صديقة.. أو شقيقة.. لا تزال تنتظر مقدار المغانم التي ستطالها من لبنان؟!.

أما بالنسبة لاخواننا الأبطال المتكالبين على الحكم والجاه.. والذين يديرون رحى المعارك الضارية في لبنان، لا يزالون يتريثون في ايجاد الحل.. انهم على حق، ولم العجلة، فما دامت القذائف تتطاير والأبرياء تتساقط... فهذا يعني أنه لا يزال هناك أحياء.. ويوم تسكت القذائف.. ويصمت الرصاص.. تكون تلك اشارة.. بأنه لم يعد هناك من احياء!!!

ولكن رحمة بالانسان في لبنان!! رحمة بالأطفال والشيوخ والنساء!! فليموتوهم دفعة واحدة... فالموت البطيء.. والموت بالتقسيط.. هو أفظع أنواع الموت، الا فليأتوا بقنبلة ذرية او هيدروجينية، ويطلقوها علينا، ويريحوننا!!

واذا كان هؤلاء الهائمون على كراسي الحكم في لبنان لا تكون لهم الجرأة ويقولون انهم يشعلون الحرب من أجل الكراسي!!! فعلى الأقل نخلص من شرورهم، فليحكموا لبنان، وبلاد الصين واليابان، اذا كان بامكانهم..

أما اذا كانوا يريدون التقسيم، فبالله، فليقسموا ما شاؤوا، فليخلصونا من هذه الكوارث، بدلا ً من ان يكوعوا.. ويتملصوا من كل حل يعرض عليهم.. فيعودوا ويغنون في اليوم التالي موالا ً جديدا ً.. فليحكموا. ويقسموا. وليذهبوا الى الجحيم. ولكن فليخلصونا!!

فنحن منذ بدء الحوادث لم نكن الا مدافعين، وكانوا هم المهاجمين، فكفانا وكفاهم ما قاسينا من المآسي، فليخلصوننا. ويوقعوا على مشروع التقسيم..

ان أعمالهم وتصرفاتهم وتصعيدهم للقتال.. ألا يدل على أنهم يعملون للتقسيم؟؟ فبات الصغار والكبار يدركون ما يبيتون. فليقسموا.. فهكذا يكونون قد حققوا العدالة الاجتماعية... والسياسية... للمحرومين والكادحين... وهكذا تكون فلسطين قد استعيدت من ايدي الاسرائيليين!!

3/4/1976...