Lebanon Lighthouse of the World

لبنان منارة في العالم - لبنان... جبين لا ينحني - بيروت - 1978 - أبريزا المعوشي (مقتطف)

من الشرارة الصغيرة، تندلع الشعلة الكبيرة، وهكذا لبنان، كان أول من أشعل شرارة الحرية في الشرق، حين طالب بالاستقلال الناجز، ومن استقلال لبنان، اندلعت نيران الحرية في البلاد الأخرى، اذن فلبنان كان بارومترا ً للعالم، فمنه تنطلق العاصفة، ومنه ينطلق الشذا!!

ليعلم الأعداء ان من بركان النار المشتعلة في لبنان، التي هدمته وقتلت الأبرياء، هي نفسها تلك النار البركانية قد تنتقل الى كل بلد ساهم في احراق لبنان، لتحرق فيه الأخضر واليابس، وعندها لن نقف نحن شامتين كما فعل بعض الأشقاء تجاهنا، بل سنعود الى اصالتنا العميقة الجذور في بحور الانسانية ونهرع اليهم حكومة ً وشعبا ً لاطفاء حريقهم!!

نحن شعب سموح شامخ لا يعرف الحقد والضغينة، والتشفي طريقا ً الى قلوبنا، لأننا ابطال، والأبطال شيمتهم كبر النفوس والجباه العالية والقلوب العامرة!!

ويدعي المخادعون الأنانيون، انه من بعض اسباب ثورتهم في لبنان انها من اجل الطبقة الكادحة.. واذا جئنا نغوض في مفهوم هذه الثورة، لفقدنا عقولنا حيث لا نجد الا الحقد والضغينة والمصالح الشخصية هي الأسباب الرئيسة التي دفعت هؤلاء ليشعلوا الثورة فسموا انفسهم ابطالا ً منقذين..

واذا كان هؤلاء المخادعون يتشبهون بأبطال الثورات في التاريخ، فهم اقزام وليسوا ابطالا ً.. وبالتالي، فنحن نكاد نطل على مشارف القرن الحادي والعشرين، فان مفاهين العصور القديمة قد تبدلت، وانقلبت معطياتها، فما كان يلائم الماضي، أصبح نقيضا ً للحاضر، وبالتالي فاسباب الثورات عبر التاريخ ليست هي نفسها اسبابا ً، لاشعال ثورة همجية بربرية كالتي تشتعل في أرضنا!!

واذا كان هناك من مطاليب توجب التغيير، او التعديل في القوانين المرعية عندنا، كي تنال الطبقة الكادحة حقوقا ً أفضل، واعدل، فذلك كله لا يستوجب تهجير المواطنين من منازلهم، وتدنيس الأديرة والاعتداء على الكهنة والراهبات، وقتل الأبرياء، فهل هؤلاء كانوا سببا ً في حرمان الطبقة الكادحة من نيل حقوقها؟!

فما داموا يناضلون حسب شعاراتهم الفارغة، ومزايداتهم الرخيصة، بانهم يدافعون ويحمون الشعب من الظلم، أليس هؤلاء المهجرون والأبرياء الذين روعوا، وقتلوا، أليسوا هم من طبقة الشعب الذين يناضلون باسمهم؟!

واذا كانت الثورة لا بد منها، فعلى الأقل يجب أن تكون ثورة على أفراد على مسؤولين.. على محتكرين.. على جشعين.. لا على وطن بكامله، حتى يدفع الأبرياء دماءهم ضريبة لتلك الثورة المبطنة بألف خدعة وبألف مكيدة!.

واذا كان هؤلاء المخادعون الذين يسمون ابطالا ً، حقا ً يتحسسون بواقع الناس، ويشاركونهم آلامهم وعذابهم وحرمانهم، فأي منطق بربري هذا، عندما يزيدون بلاء الناس بلاء ويجعلونهم وقودا ً لقذائف الموت؟!

على الأقل فليجنبوهم الموت، فحياة كل انسان عزيزة عليه، ملكا ً كان ام صعلوكا ً، فالحياة لا تثمن بملايين العالم، فالانسان يفضل بل يتمنى ان يستعطي الرغيف من ان يفقد حياته!!

لماذا لم يسخروا الأموال التي هدرت في شراء السلاح وقذائف الموت التي تبلغ أثمانها ملايين الليرات في كل يوم؟!

لماذا لم ينفقوها في سبيل الحياة، وليس في سبيل الدمار والموت؟!

ومنذ أربع مئة يوم بدأت هذه الثورة المباركة... بارك الله بمفتعليها.. فلو قمنا بعملية حسابية بسيطة لتبين لنا ان تلك الأموال الضخمة لو صرفت من أجل استرداد فلسطين التي يتغنون بها كلما صاح الديك.. يتغنون لنزعها من أيدي الاسرائيليين.. أين هي فلسطين؟! انهم كذبة.. و.. مخادعون..

لو صرفت أموال السلاح التي دمرت لبنان.. صرفت في سبيل تحسين أوضاع الناس في لبنان... ورفع مستوى معيشتهم، أما كان الناس كل الناس قد سبحت بحمد قاذفي الأموال طوال الحياة؟!

ألم يكن أجدر بهؤلاء الظالمين ان يبنوا مدارس مجانية ذات مستوى رفيع الى جانب المدارس الحكومية، كي يزيحوا عن عيون الجهلاء غشاوة الجهل؟!

ولو كانوا قد استحدثوا للناس مستشفيات ليطببوا مرضاهم وعللهم الجسدية...
ولو كانوا قد أسسوا ايضا ً أندية ثقافية ليطببوا امراضهم النفسية، ويصبحوا مثقفين بحيث لا تعود تنطلي عليهم ألاعيب المخادعين الأنانيين؟! ولو أنهم أوجدوا مياتم تشتمل على كل الوسائل الحديثة لتجمع كل الأيتام، وتبعد عنهم شبح الغربة والحرمان، وقسوة اليتم؟!

ألم يكن ذلك كله أفضل من شراء الموت وتقتيل الناس، وهدم هذا الوطن الجميل الآمن؟!

يكفيهم ألا عيب ونفث أحقاد على لبنان، قد تبين من خلال حمامات الدم التي تهدر في أرضنا ان الغرباء حاقدون على لبنان، والأقربين هم مخادعون، فمصالحهم واهدافهم الشخصية وانانياتهم، أشعلت حقدهم، فاشعلوا لبنان ودمروه، وابلوا اهله ببلاء، الله وحده يعلم بعمق الجروح!! ولكن لكل شيء في الحياة بداية ثم نهاية، أما بعض الأشقاء هؤلاء الذين كنا نعتبرهم اشقاء اكتشفنا انهم اعداء.. فقد قذفوا اموالهم.. ليحرقوا لبنان، ألم يكن أجدر بهم ان يساعدوا اهل لبنان بمعروفهم، لو انهم ارسلوا الاموال لعمل الخير، لا لاقتراف الشر؟! ألم يكن جميع اهل لبنان قد حفظوا لهم جميلا ً مدى الحياة؟! حتى بعد ان تنضب آبارهم من الذهب الأسود...

ألم يعلن بعض العلماء الجيولوجيين انه بعد ثماني عشرة سنة، ستنضب تلك الآبار؟! وبعد ان تنضب بماذا سيشترون الضمائر في لبنان؟!

واذا كانت غيرتهم قد اشتعلت حسدا ً من ازدهار وحضارة لبنان ونعمة الحرية التي يشمخ بها على الدنيا، فكان عليهم ان يتعمقوا في فهم واقع لبنان. ان لبنان فقير لا يملك الآبار ولا المصانع.

ان الله عز جلاله قد حبا لبنان بأدمغة تفوق بعظمتها جميع ملايين الذهب في العالم. فقد عظم شأنه وقفز على الرغم من صغر رقعته لأن يشارك في بناء مداميك الانسانية.. لم يكن ذلك عرضا ً بل لأنه ارتوى من عرق جباه ابنائه، كل ابنائه المسيحيين والمسلمين، عمروه ورفعوه بعزمهم.. بتآلفهم.. بوحدتهم.. بصمودهم.. بعقولهم الكبيرة.. وبقلوبهم العامرة!!

ليطمئن الأعداء ان هذه المأساة على الرغم من فظاعتها، ستزول كما السحابة القاتمة، وسيعود لبنان الى اخضراره.. والنفوس الى صفائها.. والقلوب الى محبتها.. والأيادي الى التماسك والتلاحم.. وسيقف المسلم الى جانب المسيحي، في ورشة عمل يبنون لبنان، كما بناه أجدادنا في الأمس، وسيدفعون بلبنان العظيم، ليتابع دوره العظيم، رائدا ً من رواد الفكر والعلم والحضارة والازدهار، ويكون وطن الانسان.

ولبنان هذا، سيظل حصرمة في عيون الحاسدين الأعداء، لأن لبنان وجد ليكون منارة للعالمين!!!

1/4 1976